قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 18 آذار/مارس 2015 13:44

الحضارة الغربية كما يراها محمد إقبال

كتبه  عن مجلة دعوة الحق
قيم الموضوع
(0 أصوات)

قد بدأ الشباب الإسلامي الذكي في فجر القرن العشرين يتوسعون في الدراسات الغربية، و يتعمقون فيها، في الجامعات الهندية الراقية، و قد زالت عنهم دهشة الفتح، و هيبة الإنجليز، و بدأت بعثات ثقافية ترحل إلى  أوربا، و يقيم عدد كبير منهم في عواصمها إقامة طويلة ينهلون من مناهلها الثقافية، و يدرسون العلوم العصرية بدقة و إتقان، تحت إشراف أساتذة كبار أحرار، و يعرفون الحضارة الغربية عن كثب، بل يخوضون فيها و يسبرون غورها، و يعجمون عودها كأي شاب غربي مثقف من أبناء البلد، و يدرسون الفلسفات و النظم و المدارس الفكرية، و يطلعون على دخائلها و أسرارها و على الطبيعة الغربية المادية، و النخوة القومية الأوربية، و الأثرة الشعبية في نفوس هذه الشعوب، و يرون جوانب الضعف، و بوادر الإفلاس، و طلائع الانهيار في المجتمع الغربي، و يلاحظون العناصر المفقودة الصالحة البناءة، المعدة للبشرية في تركيب هذه الحضارة، و في طبيعة زعمائها و حملة لوائها و عناصر الفساد الهدامة المدمرة للمدنية المضللة للبشرية الموجودة في عجينها المركبة مع طينها من اليوم الأول، فيثير كل ذلك في نفوسهم و عقولهم معاني و أحاسيس لم تكن ممكنة إلا مع الإقامة الطويلة في أوربا، و التعمق في فلسفاتها و أفكارها، و الدراسة المقارنة و إلا مع النظر العميق الجريء، و التحرر من ربقة التقليد، و إلا مع الإيمان الذي لم يتجردوا عنه بل بقي جمرة في رماد، مستعدة للالتهاب في كل وقت، فيرجع كثير منهم يائسا من مستقبل الحضارة الغربية، ثائرا عليها، ناقدا نقدا جريئا عميقا متزنا لا تطرف فيه و لا إنكار للواقع، و لا مكابرة في الحقائق.


لقد كان في مقدمة هؤلاء الناقدين الثائرين محمد إقبال (1) الذي يعتبر بحق أنبغ عقل أنتجته الثقافة الجديدة، التي ظلت تشتغل و تنتج في العالم الإسلامي من قرن كامل، و أعمق مفكر أوجده الشرق في عصرنا الحاضر، و لم نر من نوابغ الشرق و أذكيائه ـ على كثرة من أم الغرب منهم و درس هناك ـ أحدا نظر في الانتقاد الجريء.


إن محمد إقبال قد لاحظ جوانب الضعف الأساسية في هذه الحضارة و تركيبها، و الفساد الذي عجنت به طينتها لاتجاهها المادي، و ثورة أصحابها على الديانات و القيم الخلقية و الروحية عند نهضتها، و علل فساد القلب و الفكر الذي اتسمت به هذه الحضارة بكون روح هذه المدنية ملوثة غير عفيفة(2) و قد جردها تلوث الروح عن الضمير الطاهر، و الفكر السامي، و الذوق السليم، و تسلط عليها ـ رغم المدنية الباذخة و الحكومات الواسعة، و التجارة الرابحة ـ القلق الدائم، لقد أظلم الجو في عواصمها بدخان المصانع المتصاعد الكثيف و لكن بيئتها ـ على  كثرة أنوارها ـ غير متهيأة لفتح جديد في الفكر و إشراق من عالم الغيب، إنها حضارة شابة ـ بحداثة سنها و الحيوية الكامنة فيها ـ و لكنها محتضرة تعاني سكرات الموت، و إن لم تمت حتف أنفها فستنتحر و تقتل نفسها بخنجرها، و لا غرابة في ذلك فإن كل وكر يقوم على غصن ضعيف ليس له استقرار، و لا يستغرب أن يرث تراثها الديني و يدير كنائسها اليهود (3)، إن أساس هذه الحضارة ضعيف منهار، و جدرانها من زجاج لا تحتمل صدمة (4) و أن نورها باهر و شعلة حياتها ملتهبة وهاجة، و لكن لم يكن في ربوعها من يمثل دور موسى فيتلقى الإلهام و يتشرف بالكلام، و لا من يمثل دور إبراهيم فيحطم الأصنام و يحول النار إلى برد و سلام (5) إن عقلها الجريء يغير على ثروة الحب و ينمو على حساب العاطفة (6) إن عمالقتها و ثوارها قد طغى عليهم التقليد فلا يخرجون ـ حتى في ابتكارهم و ثورتهم ـ عن طريق المرسوم و الدائرة المحدودة.


لقد تضخم العلم و تقدمت الصناعة في أوربا، و لكنها بحر الظلمات ليست فيه عين الحياة، إن أبنية مصارفها تفوق أبنية الكنائس في جمال البناء و حسن المنظر، إن تجارتها قمار يربح فيه واحد و يخسر فيه ملايين، إن هذا العلم و الحكمة، و السياسة و الحكومة التي تتبجح به أوربا ليست إلا مظاهر جوفاء ليست وراءها حقيقة، إن قادتها  يمتصون دماء الشعوب، و يلقون درس المساواة الإنسانية، و العدالة الاجتماعية، إن البطالة و العرى و شرب الخمر و الفقر هي فتوح المدنية الإفرنجية، إن الأمة التي لا نصيب لها من التوجيه السماوي و التنزيل الإلهي غاية نبوغها تسخير الكهرباء و البخار، إن المدنية التي تتحكم فيها الآلات، و تسيطر فيها الصناعة، تموت فيها القلوب، و يقتل فيها الحنان و الوفاء، و المعاني الإنسانية الكريمة(7).
و قد كان انتقاده و استعراضه للحضارة الغربية و أسسها و مناهج تفكيرها في محاضراته العلمية التي ألقاها في مدارس و نشرت بعنوان (تجديد الفكر الديني في الإسلام (8) أعمق و أكثر تركيزا بطبيعة الحال، لأن جو البحوث الفلسفية غير جو الشعر و الأدب، فقال و هو يتحدث عن طبيعة الحضارة المادية في الغرب و الإنسان المعاصر الذي يمثلها و يتزعمها و عن الأزمة و المشكلات التي يعانيها:
"
الرجل العصري بما له من فلسفات نقدية و تخصص علمي يجد نفسه في ورطة، فمذهبه الطبيعي قد جعل له سلطانا على قوى الطبيعة لم يسبق إليه، لكنه قد سلبه إيمانه في مصيره هو " (9).


الإنسان العصري و قد أعشاه نشاطه العقلي كف عن توجيه روحه إلى الحياة الروحانية الكاملة أي إلى حياة روحية تتغلغل في أعماق النفس، و هو في حلبة الفكر في صراع صريح مع نفسه، و هو في مضمار الحياة الاقتصادية و السياسية في كفاح صريح مع غيره، و هو يجد نفسه غير قادر على كبح أثرته الجارفة، و حبه للمال حبا طاغيا يقتل كل ما فيه من نضال سام شيئا فشيئا، و لا يعود عليه منه إلا تعب الحياة، و قد استغرق في « الواقع » أي في مصدر الحس الظاهر للعيان، فأصبح مقطوع الصلاة بأعماق وجوده، تلك الأعماق التي يسبر غورها بعد، و أخف الأضرار التي أعقبت فلسفته المادية هي ذلك الشلل الذي اعترى نشاطه، و الذي أدركه هكسلي و أعلن سخطه عليه)  (10)و الاشتراكية الملحدة الحديثة ـ و لها كل ما للدين الجديد من حمية و حرارة ـ لها نظرة أوسع أفقا، لكنها و قد استمدت أساسها الفلسفي من المتطرفين من أصحاب مذهب هيجل و قد أعلنت العصيان على ذات المصدر الذي كان يمكن أن يمدها بالقوة و الهدف، و هي " إذن ليست " بقادرة على أن تفشي علل الإنسانية (11)).


و محمد إقبال يصف هذا المجتمع ـ الأوربي ـ بمجتمع يحركه تنافس وحشي، و هذه الحضارة بحضارة فقدت وحدتها الروحية بما انطوت عليه من صراع بين القيم الدينية و القيـــــم السياسيــــــة (12).


و ينظر محمد إقبال ـ ككل مطلع خبير ـ إلى الرأسمالية و الشيوعية كفرعين من دوحة المادية و أسرتين للحضارة الغربية، إحداهما شرقية و الأخرى غربية، تلتقيان على النسب المادي و التفكير المادي و النظر المحدود إلى الإنسان، و يقول بلسان السيد جمال الدين الأفغاني ـ في رحلة فكرية تخيلها و اجتمع به فيها ـ أن الغربيين فقدوا القيم الروحية و الحقائق الغيبية، و ذهبوا يبحثون عن الروح في « المعدة » أن الروح ليست قوتها و حياتها من الجسم، و لكن الشيوعية لا شأن لها إلا « بالمعدة و البطن » و ديانة « ماركس » مؤسسة على مساواة البطون، إن الأخوة الإنسانية لا تقوم علة وحدة الأجسام و البطون إنما تقوم على محلة القلوب و ألفة النفوس (13).


إن الرأسمالية و الشيوعية تلتقيان على الشره و النهامة و القلق و السآمة، و الجهل بالله، و الخداع للإنسانية، الحياة عند الشيوعية « خروج » و عند الرأسمالية « خراج » و الإنسان البائس بين هذين الحجرين قارورة زجاج، إن الشيوعية تقضي على العلم و الدين و الفن، و الرأسمالية تنزع الروح عن أجسام الأحياء، و تسلب القوت من أيدي العاملين و الفقراء، لقد رأيت كلتيهما غارقتين في المادة، جسمهما قوي ناضر، و قلبهما مظلم فاجر(14).
و يعتقد محمد إقبال أن هذه الحضارة غير قادرة على إسعاد البلاد الإسلامية، و إعادة الحياة إليهما، و يقول : ( إن الحضارة التي قد أشرفت على الموت لا تستطيع أن تحيي غيرها (15)، و قد جزت من إحسان هذه البلاد الشرقية إساءة من جانبها، و كافأت خيرها بشر، فقد منحها الشام نبيا رسالته العفة و المواساة و الرحمة، و مقابلة الشر بالخير، و الظلم بالعفو، و قد منحته أوربا ـ بدورها و مقابل ذلك ـ الخمر و القمار و الفجور، و هجوم المؤسسات) (16)
إنه يسيء الظن بدعاة التجديد ـ و بالأصح التغريب ـ في الأقطار الإسلامية، و يخشى أن تكون الدعوة إلى التجديد حيلة و ستارا لتقليد الإفرنج (17) و يقول (إنني يائس من زعماء التجديد في الشرق فقد حضروا في نادي الشرق بأكواب فارغة، و بضاعة مزجاة في العلم و الفكر(.

(إن البحث عن « برق جديد » في هذا السحاب عبث و إضاعة وقت فقد تجرد هذا السحاب الجهام عن البرق القديم، فضلا عن البرق الجديد) (18).
إنه يعارض التقليد الأعمى في أمة من الأمم، و لاسيما الأمة التي خلقت لقيادة الأمم و إحداث الثورة في العالم، و يقول : ( إن الذي يأتي بالجديد في هذا العالم الذي يتجدد دائما هو نقطة الدائرة التي يطوف حولها الزمان، لا تعطل شخصيتك ـ أيها المسلم ـ بالتقليد الأعمى، و احتفظ بكرامتك فإنها الجوهر الفرد، إن التجديد (بمعنى التقريب) لا يليق إلا بأمة لا تفكر إلا في الترف و الدعـــة) (19).


إنه يعاتب الأمم الشرقية الإسلامية التي كان دورها دور التوجيه والقيادة و أصبحت تمثل دور التلميذة الخاشعة، و التقليد الذليل، يقول ـ كأنه يشير إلى الشعب التركي الإسلامي و من كان على شاكلته ـ إن أولئك الذين كانوا يستطيعون أن يقودوا عصرهم أصبحوا بسخافتهم يقلدونه و يمشون وراءه.
إنه شديد الإيمان بما تضمره الحضارة الإسلامية و الشريعة الإسلامية من حيوية خالدة، و قوة دافقة، و إمكانيات واسعة، لتكوين عالم جديد، و تأسيس مجتمع جديد، يقول في خطبته التي ألقاها رئيسا لمؤتمر الأحزاب الإسلامية في دهلي سنة 1933م مخاطبا للمسلمين :
)
إن الدين الذي تحملون رايته يقرر قيمة الفرد و يربيه تجعله يبذل كل ما عنده في سبيل الله و في صالح عباده، إن مضمرات هذا الدين القيم و كوامنه لم تنته بعد، إن في استطاعته أن يوجد عالما جديدا، يجبي فيه الفقراء الأغنياء، عالما لا يقوم فيه المجتمع البشري على مساواة البطون، بل يقوم على مساواة الأرواح(.
و لذلك كان يعتقد ـ بكل إخلاص و حماسة ـ أنه لابد من وجود رقعة حرة، تقوم فيها عملية الحياة الإسلامية بجميع نواحيها و شعبها، و تتجلى فيها عبقرية الشريعة الإسلامية، و عدل النظام الإسلامي، و تستطيع فيها الطريقة الإسلامية في الحياة أن تعبر عن نفسها تعبيرا علميا و ثقافيا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش :
1
ـ ولد محمد إقبال في سيالكوت (باكستان) سنة 1877م، و انضم إلى كلية الحقوق في لاهور، و أخذ درجة ماجستر في الفلسفة بامتياز و سافر إلى لندن سنة 1905 حيث التحق بجامعة كمبردج و أخذ شهادة عالية في الفلسفة و علم الاقتصاد و سافر إلى ألمانيا و أخذ من جامعة ميونخ الدكتوراه في الفلسفلة ثم رجع إلى لندن و حضر الامتحان النهائي في الحقوق، و انتسب إلى مدرسة علم الاقتصاد و السياسة في لندن و تخصص في المادتين و ألقى عدة محاضرات في مدارس الهند و في جامعة كمبردج (انكلترا) و قد اعتنى بهذه المحاضرات المستشرفون و علماء الفلسفة اعتناء عظيما و ترجم أكثر كتبه إلى الإنجليزية و الفرنسية و الألمانية و الطليانية و الروسية و أقامت له جمعية أرسطو عرض فكرة باكستان لأول مرة في سنة 1930م توفي في 21 من أبريل سنة 1938م، له سبعة دواوين بالفارسية، و ثلاثة بالاردو، و محاضرات و بحوث في الإنجليزية.
2
ـ ضرب كليم، ص 69.
3
ـ ضرب كليم ص 14 يشير إلى نفوذهم الزائد و ثقة أوربا النصرانية بهم.
4
ـ بال جبريل.
5
ـ بيام مشرق ص 248 يعني أن أوربا لم تكن أرض النبوءة و الأنبياء من الزمن القديم، و لم يكن فيها إشراق روحاني و إنما ازدهرت فيها الماديات.
7
ـ أيضا.
6
ـ بال جبريل.
8
ـ المصدر المذكور ترجمة عباس محمود ص 214.
9
ـ أيضا ص 215 ـ 216.
10
ـ المصدر السابق 216 ـ 217.
11
ـ المصدر السابق ص 217.
12
ـ جاويد نامه مأخوذ من « روائع إقبال » للمؤلف ص 113 ـ 114.
13
ـ جاويد نامه ص 113 ـ 114.
14
ـ ضرب كليم ص 68.
15
ـ يصير إلى سيدنا عيسى عليه السلام.
16
ـ ضرب كليم ص 150.
16
ـ ضرب كليم ص 170.
17
ـ أيضا ص 69 يشير إلى أن هؤلاء المصلحين ثقافتهم القديمة و ثقافتهم الجديدة ضعيفتان محدودتان ليس لهم في إحداهما كعب و لا باع طويل.
18
ـ ضرب كليم ص 170.

المصدر : مجلة دعوة الحق ـ العدد 55

http://www.altareekh.com/article/view/7994

قراءة 1925 مرات آخر تعديل على الخميس, 09 تموز/يوليو 2015 15:54

أضف تعليق


كود امني
تحديث