هذا الاقتناع لم يكن مجرد تخمين أو تصور لسيناريو افتراضى، لأن شواهد الواقع تؤيده حينا بعد حين. و لم يعد مستغربا أن تدرك الأجيال الجديدة أن الحكم بسجن ضابط الشرطة إذا كان لابد منه فهو مؤقت و يراد به امتصاص الغضب و استرضاء الرأى العام. لكن براءته حتمية فى النهاية. و بعد تبرئة الضابط الذى حكم عليه بالسجن ١٥ عاما بعد إدانته فى تعذيب و قتل الشاب سيد بلال الذى اتهم فى قضية كنيسة القديسين (عام ٢٠١١) و كذلك تبرئة زميله الذى أدين فى قتل ٣٨ شخصا الذين كانوا فى عربة ترحيلات سجن أبوزعبل. و كذلك تبرئة جميع الضباط الذين اتهموا فى أكثر من ٤٠ قضية قتل أثناء ثورة يناير، بعد كل ذلك ليس مستغربا ألا تؤخذ الإدانة على محمل الجد من جانب أى شخص له عقل و ذاكرة. و ليس بعيدا عن أذهاننا الحكم النهائى الذى صدر أخيرا ببراءة وزير داخلية مبارك و أعوانه الستة، الذين قادوا جهاز الشرطة أثناء ثورة يناير، حين قتل نحو ألف شخص ذهبت دماؤهم هدرا. و لا أملّ من التذكير فى هذا الصدد بما أورده تقرير لجنة تقصى حقائق أحداث الثورة التى رأسها المستشار عادل قورة، رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق، الذى تحدث صراحة عن ضلوع الشرطة و قياداتها فى عملية القتل (التقرير تم إخفاؤه و لكن له خلاصة وافية من ٤٢ صفحة أعدتها اللجنة و وزعتها على الصحف آنذاك و هى موجودة على الإنترنت). و أضيف إلى ما سبق ما أثبتته نيابة الثورة بخصوص وجود ٤٣٣ قناصا بوزارة الداخلية أطلقوا النار على المتظاهرين، فى حين نفى المسئولون بالوزارة وجود قناصة من الأساس. (جريدة الوطن نشرت تقريرا مفصلا عن الموضوع ـ موجود على الإنترنت أيضا ـ نشر فى ٣/٥/٢٠١٣).
الحقيقة الجوهرية التى يتجاهلها كثيرون أن تعذيب النشطاء أو إطلاق الرصاص عليهم لا يتم بمبادرة من الضباط، و لكنه يتم بتوجيه وتصريح من قيادات الداخلية، التى قد لا تدعو إلى القتل و لكنها تتسامح له إذا وقع و تقبل به باعتباره احتمالا واردا، لذلك فمن الطبيعى أن تتضافر الجهود لتغطية و تأمين الضباط الذين ينفذون التعليمات.
و إذا علمنا أن الجهاز الأمنى له أساليبه فى السيطرة و ضبط مسار جميع مراحل التعامل مع القضية منذ فتح التحقيق حتى الحكم النهائى، و هو ما أثبتته التجربة، فلا غرابة فى أن يظل شعار «البراءة للجميع» مرفوعا طول الوقت، بحيث لا يدان ضابط فى كل الأحداث التى تعاقبت خلال السنوات الأربع الأخيرة. حيث لا يعقل أن يكلف الضباط بمهام أيا كانت طبيعتها ثم يسمح بمعاقبتهم إذا قاموا بتنفيذها على الوجه المطلوب، أو حتى أخطأوا و ذهبوا بعيدا فى التنفيذ.
الشواهد التى بين أيدينا تدل على أن هذا الذى أدعو إليه يبدو أملا بعيد المنال، لذلك فلست آمل فى تغير بشىء مما ينبغى أن يتغير فى الأجل المنظور، لأن غاية مرادى فى الوقت الراهن أن نفهم القضية على نحو صحيح، بحيث ندرك أن الفيلم ليس جديدا، و لكنه مجرد استنساخ لأفلام أخرى مماثلة شاهدناها خلال السنوات الأخيرة تغير فيها الأبطال حقا، لكن القصة ظلت واحدة.
إن الفيلم هو ما ينبغى أن يتغير، و ليس أشخاصه أو إخراجه.