في الكثير من الأسر تتعارض أساليب التربية بين الأم و الأب، و قد يختلفون في منهجية تنشئة أبناءهم، و ذلك لأن الأساليب و المناهج تفتقر إلى مباديْ أساسية في التعامل مع الطفل، تستطيع من خلالها أن تتجنب الكثير من الحالات السلبية التي يمكن أن ينشأ عليها الطفل و هو مهزوز الشخصية أبينا ذلك أم كرهناه، و هو في حد ذاته خطأ تربوي قد يكلف الكثير، و قد يكون ذلك بسبب اختلاف في النشأة و التربية التي تلقاها الوالدين في الصغر، فبقي أثرها عند الكبر....
و مع كثرة البحوث العلمية و التطبيقية حول أفضل الطرق التربوية.. يعد اختلاف الأب و الأم في تربية الأولاد من أكثر المشاكل تكراراً في الأسر، و من أعمها ضرراً، و أبلغها أثراً، و أسرعها ملاحظة و ظهوراً. وتأتي هذه الحالة عندما يقوم أحد الطرفين (الأب أو الأم) بتربية أحد أبنائهم بطريقة معينة وفق فكر معين، و يأتي الطرف الآخر لينقض تلك التربية و ذلك الفكر، بفكر أخر و طريقة مختلفة، قد تصل حد التضاد، مما يوقع الابن في حيرة مربكة، و يضيع بالتالي تعب الطرفين في تحقيق أي أثر ناجح في تربيته.
فالبعض من الوالدين يربي إبنه بالصرامة و الشدة، و البعض يربي إبنه على اللين و التدليل. و لننظر معا في حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم، و لنتأمل كيف نص الحديث على مسؤولية كل واحد من الأبوين، ليؤكد استقلال كل واحد بهذا التكليف، و في حديث الفطرة يظهر أيضا كيف أن التوجه الديني للأبناء مبني على توجه أبويهم معا، و ليس واحداً منهما فقط، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَ يُنَصِّرَانِهِ وَ يُمَجِّسَانِهِ). رواه البخاري و مسلم.
يقول الدكتور عبد الرحمن العيسوي في كتاب له يحمل عنوان (مشكلات الطفولة و المراهقة): "إن من بين المشاكل التي قد تظهر على الأبناء نتيجة هذه الطريقة المتضاربة في التربية :
1- قد يكره الطفل والده و يميل إلى الأم، و قد يحدث العكس بأن يتقمص صفات الخشونة من والده.
2- قد يجد هذا الطفل صعوبة في التميز بين الصواب و الخطأ، أو الحلال و الحرام، كما يعانى من ضعف الولاء لأحدهما أو كلاهما.
3- و قد يؤدى ميله و إرتباطه بأمه إلى تقمص صفاتها الأنثوية، فتبدو عليه علامات الرقة و الميوعة. قد يصل الحد إلى هذه الدرجة: و تبدو المشكلة أكبر من ذلك في مراحل متقدمة عند حدوث تعمّق في الاختلاف بين الأب و الأم حول تربية الأولاد.. و هذا أحد المدرسين يروي حالة غريبة حدثت مع أخيه فيقول: "أبي و أمي كثيراً ما يختلفون حول تربية أخي الصغير، بل إن 90% من مشاكلهم بسببه و هو ما وَلَّد حالة متنامية بين الطرفين اتجهت بهما نحو التطرف في التعامل معه". و يوضح المدرس الذي طلب عدم ذكر اسمه حالة التربية الخاطئة في منزله فيقول: "عندما يطلب والدي من أخي الصغير أمراً يرفضه أخي.. تبادر أمي إلى التدخل إلى صف أخي الصغير.. و تطلب من والدي الكف عن تحميله ما لا يطيقه، أو تركه يعيش حراً، أو أن ينتظره حتى يكبر كي يكلفه ببعض الأشياء، و هذه الحالة المتكررة وَلَّدت لدى والدي، حالة من الغضب الدائم على أخي الصغير.. فزاد من ضربه له و تأنيبه بشكل مستمر، و محاسبته له في كل صغيرة و كبيرة، و هذا زاد بالتالي من دلال أمي له، و الاعتناء و الاهتمام به أكثر فأكثر".. و يتابع المدرس بالقول: "المشكلة الأساسية أن ذلك بات يؤثر على أخي الذي يبلغ الثانية عشر من عمره.. أحسه في كثير من الأحيان غير طبيعي في أفكاره و تصرفاته و حركاته.. ربما بسبب الضغط النفسي و اختلاف التربية المتناقضة في المنزل، و أكثر ما أخافني مؤخراً كلمة قالها لي: إنه عندما يكبر سيصبح والدي مسناً و لن يستطيع ضربه مجدداً.. عندها سيقوم هو بضرب والدي"!!.
كما ذكرنا آنفا أنه على الرغم من كثرة الكتب و المحاضرات التي تتكلم و بشكل مستمر عن اختلاف الأبوين في تربية أولادهما، و السلبيات الناتجة عن هذه التصرفات، فإن هذه التربية السلبية لا زالت إلى اليوم تضرب بأطنابها في مجتمعنا و تفاقم من المشاكل التي تحدث داخل العائلات، كما بينته قصة هذا الطفل الذي ينتظر أباه حتى يكبر ليصبح هو الذي يضرب أباه و العياذ بالله، و غني عن البيان أن مثل هذا التفكير السقيم لدى هذا الطفل هو نتاج لعدم تحكم الأم و الأب في عاطفتهما في محاسبة و تربية الطفل، مما جعل هذه التربية بعيدة تماما عن العقل و المنطق.
إن الوازع الديني الذي يجب أن يحضر أمام أعين الطرفين هو: أن التربية مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المؤسسات الاجتماعية و أن كلاً منها راعٍ و مسؤول عن رعيته، كما أخبر نبينا محمد _صلى الله عليه و سلم_ "كلكم راعٍ و مسؤول عن رعيته"، و من باب أولى بالتالي أن يتولى الأب و الأم تقديم نفس الرسالة التربوية لأبنائهما، و إن اختلفت الطريقة بينهما.. بل على العكس قد تكون سبباً في ثبات هذه الرسالة التربوية و رسوخها في ذهن أطفالهما.
و هذا خبير في التربية و هو د. المطوع يقول: تذكر أم عمر (إحدى المهتمات بالعمل التربوي) خلال مشاركة لها في إحدى المنتديات التربوية المتخصصة، بعض الأفكار المفيدة التي قد تساعد الآباء و الأمهات على تحديد بعض السلوكيات لدى أبنائهم، قائلة: "إن اهتمام الرجال بموضوع التربية ليس بمقدار اهتمام المرأة، لذلك أرى أن هذه مسؤولية ملقاة على كاهل المرأة، و ذلك بأن تدعو زوجها دائماً للنقاش في أمور تربية أبنائهما، و ذلك قبل أن تنجب حتى أول طفل، تحثه على قراءة المقالات، تناقشه فيما يقرآن، تلخص معه النتائج، و عليها أن تكون واضحة في جملها، فتخبره مثلاً : - لو حدث الموقف التالي مع أولادنا يجب أن نتصرف بالطريقة التالية، يجب أن نتعامل مع الأبناء بهدوء و بحزم.
- إذا طلب ولدنا من أحدنا طلباً فلينظر أحدنا بوجه الآخر ليرى في وجهه الرضا أم الرفض، و بالتالي قرارنا يجب أن يكون موحد، لا أن أقول: نعم و أنت لا، فهذا أبلغ في نفس الطفل.
- نوم أطفالنا يجب أن يكون بين 8-9 على أن نوفر لهم الأجواء المناسبة فتتوقف النشاطات قبل ذلك بنصف ساعة ليشعروا بالهدوء. - نوقظ الطفل لصلاة الفجر دون تهاون في ذلك.
- فلنضع قاعدة بأن لكل طفل 3 ألعاب في السنة، لعبتين على عيدي الفطر و الأضحى، و لعبة عند تفوقه في المدرسة، و جوائز صغيرة عندما يحسن عملاً.
- يجب أن نعود الطفل على الترتيب، و أن يكون موقفنا واحداً من حيث ترتيبه لغرفته و ألعابه.
- يحفظ الطفل عدداً من الآيات محددة يومياً، و لا تنازل عن ذلك تحت أي سبب، إلا لظروف قاهرة جداً نتفق عليها.
- يجب أن نعوّده و نحثه كلانا على المساعدة في البيت في أمور يتم الاتفاق عليها.
- يعاقب الطفل إن تلفظ بالألفاظ البذيئة.
- نسمح للطفل باللعب مع أبناء الجيران الصالحين، و نحذره من اللعب مع السيئين مع تبيان السبب له"
و مفاد هذا الكلام أن التربية السليمة تتطلب بالضرورة حسن التوافق بين الأبوين حتى لا تتعارض الذي توجيهاتهما و تتضارب أوامرهما عند التعامل مع الطفل الأمر الذي يربكه ويضعه في حرج إذ لا يدري لأيّهما ينصاع و قد يدفعه ذلك إلى التمرد عليهما هما الاثنين معا فيخسرانه إلى الأبد كما يخسره معهما المجتمع هو الآخر و تلك هي الطامة الكبرى...