" إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة حينما نعيش للآخرين و بقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا، و نضاعف هذه الحياة ذاتها في النّهاية " سيّد قطب. كلمات كانت ستظل حبراً على ورق لولا أنّ قائلها عاش لمبادئ الحق و دفع حياته ثمناً لها، إن طعم الحياة لا يروق إلّا لمن جعلها هبة خالصة لخالقها، و لكي نشعر بقيمة الحياة و جمالها و معناها لا بدّ لنا من المرور عبر قنواتها اللازمة ، بحلوها و مرّها، و أن يكون مرورنا فاعلاً متفاعلاً مع معطياتها و طوارئها و مشاقّها و مباهجها. و كيف نحسّ بطعم الحياة و لم نتشارك في العبودية الحقّة فيها مع بقيّة الخلق الذين خلقوا لنفس الغاية التي خلقنا لأجلها (( و ما خلقت الجنّ و الإنس إلّا ليعبدون )). إنّها العبادة الخالصة والإنابة التامّة و الطاعة المطلقة للخالق العظيم الذي خلق الخلق و أوضح الغاية و بيّن الوسيلة و حدّد الوجهة و أطلق العقول من قماقمها و حرّر القلوب من إقفالها فصارت الحياة بتفاعلاتها و إبداعاتها و انطلاقتها و ايجابياتها هي العبادة. و غدا إعمار الأرض و إقامة العدل فيها هو العبادة المراقبة من المعبود (( فينظر كيف تعملون )) و لأنّ الخلق عيال الله فإن نفعهم عبادة، و السعي في حاجتهم قربة، و العمل على هدايتهم واجب، و الجهاد لرفع الظلم عنهم فريضة، و الموت في سبيل نشر الملة السمحاء بينهم و دفع الظالم عنهم و إقامة شرع الله العادل فيهم شهادة في سبيل الله تضاعف الحياة و تباركها و تنقّي النفس من الذنوب و تطهرها. فالنفوس التي تسارع إلى الموت لأجل دينها و لدفع الضرر عن إخوتها في الدين أجل عند بارئها و أرفع من أن تصير إلى ما صارت إليه النّفوس القاعدة بلا همّة و لا عطاء . نفوس الباذلين ترتقي إلى منازل الخالدين المستبشرين الفرحين أولئك الذين حرصوا على الموت فوهبت لهم الحياة الأبدية و الخلود المقيم في جنّات الفردوس ترزق و تحيا و تستبشر، فهي و الله الحياة المضاعفة، و النّعيم المقيم. و لكي نصل إلى أرقى مستويات الإنسانية فإنّه ينبغي علينا أن ننطلق من فكرتنا العظيمة و هي إخراج النّاس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، و هي الفكرة و الغاية التي تتمحور حولها دعوة الله و شرعته. و هي ذاتها الفكرة التي حمّل أمانة تبليغها كافة أنبياء الله عليهم صلوات الله و سلامه، و هي كذلك الإرث النبوي الذي حملته امة محمد صلى الله عليه و سلّم إلى الناس كافّة إنّها الرسالة و الفكرة و الإرث و الفريضة المسؤولة عنها الأمة في الدنيا و الآخرة. ألسنا الذين خوطبنا بالخيرية و حمّلنا أمانة التبيين للنّاس، فإذا كانت الحياة الفانية هي الثمن الذي ندفعه في سبيل الارتقاء بالإنسانية من مهاوي الشرك و العبودية إلى فضاءات التوحيد و العبادة الحقّة بما يحقق للبشرية الخير و الصلاح فإنها و الله ثمن قليل للخلود الرضيّ و الحياة الممتدة في جوار الحيّ الذي لا يموت. اللهم استعملنا و لا تستبدلنا و رضّنا و أرض عنّا يا رب العالمين. |
http://www.denana.com/main/articles.aspx?selected_article_no=12915