قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأحد, 17 أيلول/سبتمبر 2023 16:56

عمر راسم بين نخبة عصره

كتبه  الدكتور أبو القاسم سعد الله رحمه الله
قيم الموضوع
(0 أصوات)

يحق لرجل كعمر راسم أن يكون شاهدا على العصر الذي عاش فيه، و هو من 1884 إلى

1959. إنه عصر تغيرت فيه حالة الجزائر من حالة خمود إلى حالة صمود، و من ثورات في

الريف إلى حراك في المدن، و من نظام استعماري إداري جامد إلى تحولات استراتيجية

جديدة، ليس من المغرب العربي فحسب، و لكن من المشرق العربي و الإسلامي و أوروبا

نفسها.

ظهر عمر راسم في الثمانينات من القرن التاسع عشر، في عهد حكم لويس تيرمان (1881-

1891) الذي وصف بأنه من أواخر ما عاشته الجزائر من الحكم الاستعماري القائم على القهر

و التجهيل المتعمد، و فرض الأمن الاستعماري على يد المكاتب العربية العسكرية.

إن لويس تيرمان هو الذي جاء بتشريع قانون الأندجينا الذي كان يراد به قهر الأهالي بقوانين

استثنائية؛ لا تماثلها ربما إلا قوانين غوانتانمو اليوم. و من جهة أخرى ففي عهده أنشئت

الحالة المدنية التي أراد به الفرنسيون تفتيت الأنساب، و طمس معالم التاريخ. و قد عانى

عمر راسم نفسه من قانون الأهالي عندما اضطُهد و حُكم عليه بالأشغال الشاقة، و صودرت

صحافته.

و لكن الحياة مع ذلك سارت إلى الأمام، و انتقل حكم الجزائر أثناء طفولة و شباب عمر راسم

إلى فريق آخر هم: جول كامبون Cambon (1891-1897) ثم شارل جونار Jonnart ((1903-

1913 ثم شارل ليتو Lutaud (1913-1918)، فهؤلاء الحكام الثلاثة سلكوا سياسة بدلت وجه

الجزائر إلى أمد بعيد. و قد تميز كل واحد منهم بطابع خاص في حكمه، يطول بنا الحديث لو

حاولنا وصفه.

لكن يهمنا من ذلك العهد نشاط عمر راسم الصحفي، فقد بدأ في عهد جونار و حوكم عليه

في عهد ليتو، أي عندما كان في عقد الثلاثين من عمره. و قد جاء في أحد المصادر أنه نشر

مقالة في جريدة تونسية سنة 1907. و أحصى له هذا المصدر سبع مقالات نشرت في 

     الجرائد التونسية قبل 1911، و منها مقالة عنوانها "استعمار فلسطين". و لنذكر هنا أن

قانون التجنيد الإجباري الذي أثر على النخبة قد صدر سنة 1912؛ أي عندما كان سنه

حوالي 29 سنة. و قد كتب في جريدته (ذو الفقار) ضد هذا القانون الجائر.

عندما ظهر عمر راسم على مسرح الحياة لم تكن في الجزائر نخبة لها وزن سياسي و

فكري (رغم وجود مثلها في تونس و مصر)، لأنه لم يكن فيها مدارس ذات شأن، ما عدا ثلاث

مدارس إقليمية (العاصمة، قسنطينة، تلمسان) تقليدية أنشئت لتخريج أعوان للقضاة

الفرنسيين في الشؤون الإسلامية، و بعض المترجمين و المدرسين.

هذا على المستوى الرسمي. أما على المستوى الشعبي، فهناك عدد قليل من طلبة

الزوايا المعزولة في عمق الريف لا يمكنهم التطلع إلى وظيفة إدارية أو الدخول في الأعمال

الحرة في المدينة. و مثلهم أولئك الذين تخرجوا من بلاد عربية (المغرب، تونس، مصر…) فلم

يكن لهؤلاء جميعا تأثير ثقافي متميز، باستثناء أشخاص يرجع قبولهم إلى اعتبارات سياسية

مثل عبد القادر المجاوي (درس في القرويين) الذي يقال إن الأمير عبد القادر قد تدخل من

أجله، و مثل محمد بن رحال (درس في زاوية) الذي اعترف به لقدرته أولاً، و ربما لمكانة

والده في خدمة الإدارة ثانيا.

و بفاتح القرن العشرين وجدنا نوعيْن من النخبة: نخبة تجنّسَتْ بالجنسية الفرنسية؛ أي

تخلّت عن الأحكام الشرعية و اتبعت القانون الفرنسي، و استعملت اللسان الفرنسي في

معاملاتها، و أخلصت الولاء لفرنسا و ثقافتها، رغم جذورها العربية الإسلامية، مثل د.

بلقاسم بن التهامي، و د. الطيب مرسلي، و عمر بوضربة. و نخبة أخرى بقيت محافظة على

الأحوال الشخصية الإسلامية، مدافعةً عن الهوية الوطنية، فهي عربية اللسان (و أحيانا كانت

مزدوجة) مثل محمد ابن أبي شنب، و عبد الحليم ابن سماية، و المولود ابن الموهوب، و

صحفيي جريدة المبشر، يضاف إليهم المجاوي، و محمد بن يوسف أطفيش.

و من الملاحظ أن عمر راسم عاش هذه الفترة بنشاط و اندفاع متفائل، و ربما عالج التأليف،

مع كتابة المقالات. لقد كان ذلك قبل أن يصطدم بواقع اجتماعي مريض و بقبضة استعمارية

متعسفة. و قد قيل إنه ترجم لمجموعة من علماء الجزائر في مخطوط لم نطلع عليه، و لكن

بعضهم اطلع عليه و اقتبس منه، و سماه "رسالة". و ما زلنا لم نعرف حجمه و لا العلماء

الذين ترجم لهم، و إن كنا نعلم أن كلمة (العلماء) تعني أهل الثقافة العربية الإسلامية، و قد

عرفنا أنه ترجم لحمدان خوجة و محمد بن مصطفى المعروف بالكمال.

و من القضايا التي شغلت قلمه في عهد شبابه و تفاؤله: فرض التجنيد الإجباري الذي أدى

إلى هجرة الآلاف إلى المشرق. و يقال أنه قد زار مصر (حوالي 1906) لغرض لا نعلمه، و

ربما كان تأثره بفكر الشيخ محمد عبده و نشاط الحزب الوطني المصري بزعامة مصطفى

كامل له علاقة بهذه الزيارة. و نحن نعلم أن الأحداث في الشرق و في تونس و المغرب كانت

تجري بسرعة و إثارة. و يهمنا هنا من تلك الأحداث زيارة الشيخ محمد عبده للجزائر في

سنة 1903. و بعدها بسنتين توفي الشيخ، و لكن فكره الإصلاحي في الجزائر لم يمت معه،

فقد كان له أنصار و خصوم في مصر بالذات؛ ول ا سيما الأزهر و ضمن الطبقة السياسية.

 

من نتائج الحرب العالمية الأولى إصابة عمر راسم بالإحباط، و دخول الجزائر مرحلة جديدة

أطلق عليها البعض مرحلة "النهضة"، و إسكات صوت الأمير خالد بطريقة تعسفية، ثم

تصاعدت لهجة الاستعمار عشية الاحتفال المئوي بالاحتلال (1930)، و غيرها من الأحداث

التي جرت سواء في الجزائر أو في جوارها. و هكذا كان على عمر راسم مراجعة تفاؤله

السابق و موقفه من قيادات البلاد؛ بل من رؤية مستقبل حركة التحرير الوطني نفسها.

حقيقة إن نخبة جديدة ظهرت بعد الحرب فيها تصنيفات لم تكن موجودة قبل الحرب، منها

التيار اليساري و التيار اليميني و التيار الإصلاحي و التيار الثوري، و غيرها. فالإصلاحي كان

يمثله علماء تخرجوا في أغلبهم من مدرسة ابن باديس بمعناها الواسع. يضاف إلى هؤلاء

إصلاحيون سياسيون من أمثال د. ابن جلول و فرحات عباس. و اليميني يقوده نخبة فيها د.

ابن التهامي و بلحاج و محمد صوالح. يضاف إليهم "الجماعة المتواضعة" أمثال الزناتي و

الفاسي و كسوس. أما اليساري فيمثله الثوريون المنضوون في منظمة النجم ثم حزب

الشعب، و يضاف إليهم أعضاء كانوا في الحزب الشيوعي مثل عمار أوزقان… و قد كان لكل

تيار صُحُفه، و الناطقون باسمه، و طريقة تعامله مع الإدارة الفرنسية.

فأين يقف عمر راسم من هذه التحولات الاجتماعية و الثقافية ؟ يبدو لنا أنه أصبح -كفنان-

خارج السرب، فهو ليس من أطياف هذه النخبة، و كان له إحساس وطني مطعون، فهو ليس

اندماجيا و لا حزبيا و لا راضيا عن القيادات الجديدة. لذلك انغمس في الفن، من رسم و خط و

موسيقى. و لكن الفن لا يجلب رزقا و لا يوفر حياة كريمة لصاحبه. إننا نكاد نجزم أنه لم يكن

لعمر راسم مورد ثابت يعيش منه. كما أن صحته لم تكن على ما يرام، لذلك نجده ناقما على

حاله، و حتى على شعبه الذي كان في نظره يتحمل الإهانة دون أن يتأوه، أو يحطم قيوده.

و نحن نستقي ذلك من روايات بعض المعاصرين أمثال أحمد توفيق المدني و محمد قنانش…

و لعل الحاجة المادية هي التي قادت عمر راسم إلى الانضمام إلى أسرة مجلة (هنا

الجزائر) خلال الخمسينات، رغم أن هذه المجلة كانت تصدر عن الإذاعة الفرنسية، و عسى

أن تكون له علاقة ودية مع الشاعر الطاهر البوشوشي (رئيس تحرير مجلة هنا الجزائر) و أن

يكون ذلك هو سبب انضمامه إلى أسرة المجلة. و قد كان العمل في مجلة "هنا الجزائر"

محل جدل بين نخبة ذلك العهد، و لا سيما بعد انطلاق الثورة. فعمر راسم توفي سنة 1959

و كان إلى آخر لحظة من كتّاب المجلة و من متحدثي المذياع. و قد تنوّع إنتاجه في هذه

الفترة، فشمل تاريخ الموسيقى، و هو موضوع عزيز عليه، إذ نجده كتب عن الموسيقى

الأندلسية في دورية تونسية (المباحث سنة 1945). ول ا ندري إن كانت له رسوم و لوحات

و خطوط جديدة خلال الفترة الأخيرة من حياته.

أما كتاب (تراجم علماء الجزائر) فالظاهر أنه لم ينجزه، فكتاب بهذه الصفة لا يمكن إلا أن

يتوسع زمانا و مكانا، لأن علماء الجزائر ليسوا هم علماء العاصمة فقط، رغم أن الأسماء

المشار إليها في الكتاب (حمدان خوجة، محمد بن مصطفى، عبد الحليم بن سماية…) كانوا

من العاصمة. و لعله لم يبدأه بتاريخ الاحتلال.

عندما يؤلف الأوروبيون كتب التراجم يبحثون باهتمام عن وسائل العيش المتوفرة للمترجم

له، فالإنسان لا يعيش بالروحانيات وحدها، ذلك أن وسائل العيش هي التي تحدد في

نظرهم ولاءاته، و تحركاته، و تشكل أفكاره و أحكامه، فالذي يعيش من رزقه غير الذي يعيش

من منحة يقدمها له المانحون. و الإنسان الذي يسكن في داره غير الذي يعطى مسكنا و لو

كان قصرا منيفا، و الذي يأكل من زرعه و ضرعه، غير الذي يقتات مما يبتاعه في الأسواق.

 

أما نحن فنكتفي عادة عندما نترجم لشخص بالحديث عن غناه أو فقره، و عن تعلمه و

رحلاته، و عن تآليفه و مواقفه، كأنه شخص مفصول عن الحياة المادية من حوله، أو كأنه

مضمون العيش حيثما حل و ارتحل، أو كأنه ملاك لا يظمأ و لا يضحى، فلا يهمنا من أمره

مصدر عيشه، و لا مدى أثر ذلك على تفاؤله أو تشاؤمه من الحياة، و لا على أثره على آرائه

و إنتاجه و مواقفه السياسية و توجهاته الأدبية و الفنية. بصراحة أنا لم أطلع على شيء من

ذلك بالنسبة لصاحبنا، و من كان يعرف شيئا من ذلك عنه فليفدنا مشكورا. إن اللوحات

الفنية و القطع الموسيقية و التآليف الأدبية و الأحاديث الإذاعية لا تجلب مالاً، و لا تضمن

عيشًا كريمًا لصاحبها.

إننا مع عمر راسم أمام إنسان لم يفرح بزمنه ول ا بحرية وطنه. لقد بدأ حياته بعهد لويس

تيرمان و أنهاه بعهد لاكوست. غادر هذا العالم و هو يائس بائس، و ليس بينه وبين الحرية

سوى مسافة قصيرة. و مع ذلك فإننا نتساءل في نهاية المطاف: هل كان عمر راسم سيفرح

بالحرية كما فرح بها الآخرون؟


ملاحظة

هذه الكلمة ساهمنا بها في ندوة ذكرى عمر راسم يوم 15 فبراير 2009 وقد ألقيت بالنيابة.


المصدر:

http://www.veecos.net/portal/index.php?option=com_content&view=article&id=7299:2012-01-09-08-44-19&catid=27:others&Itemid=17

قراءة 276 مرات

أضف تعليق


كود امني
تحديث