تطالعنا الأخبار والتطورات في المنطقة يوميًا بما يؤشر بانتهاء مرحلة أوسلو ودخولنا في مرحلة جديدة وخطيرة بالنسبة للفلسطينيين والأردن. أشار الخطاب الذي ألقاه الملك عبدالله الثاني في الأمم المتحدة قبل أيام، إلى غياب "الحقوق المدنية" وغياب "الحقوق المتساوية" للفلسطينيين، مضيفًا أن هذه الحقوق تمثّل جوهر حل الدولتين. وقد اتّبع الملك عبدالله الثاني هذه الإضافة النوعية، بالإشارة أيضا إلى أن الإسرائيليين اليهود لا يستطيعون الاحتجاج ضد الانتقاص من حقوقهم المدنية من قبل حكومة نتنياهو، مع الاستمرار في تجاهل حقوق الفلسطينيين.

هذه الإضافات على الخطاب الرسمي الأردني في غاية الأهمية، لأنها لم تكتفِ بالحديث عن حل الدولتين، من دون أقرانه، ومن منصة الأمم المتحدة، بالحقوق المتساوية للشعب الفلسطيني، ومن دون تبيان ازدواجية مواقف الكثير من الإسرائيليين الذين يتظاهرون لحماية حقوقهم المدنية والسياسية، بينما يواصلون تجاهل الحقوق الفلسطينية بالكامل. ليس غريبًا أن خطاب الملك جوبِه بهجوم كبير من اليمين الإسرائيلي لأنه فضح بوضوح هذه المواقف والممارسات الإسرائيلية.

تُحسِن الدبلوماسية الأردنية أن التقطت إشارات الملك عبدالله وبدأت بتوسيع خياراتها. فإن كانت لها أسبابها لعدم التخلّي رسميًا عن حل الدولتين، مع معرفتها على الأغلب بعدم إمكانية تحقيقه، فإن ربطه مع الحقوق الفلسطينية، وفضح الممارسات العنصرية الإسرائيلية بخطاب متوازن علمي أمام المجتمع الدولي، كما يستطيع الأردن، هو سياسة أنجع بكثير من ترداد الالتزام بحل الدولتين فقط، بينما تواصل إسرائيل ابتلاع الأرض. لعلّ خطاب الملك مقدّمة لمثل هذا التغيير، ولا شك في أن ردة الفعل الغاضبة من اليمين الإسرائيلي إدراكٌ لمدى التأثير الذي يمكن لهذا الخطاب أن يقوم به في المحافل الدولية.

لا يمكن أيضًا إهمال تصريح ولي العهد السعودي، بأن المملكة العربية السعودية تقترب أكثر كل يوم من التطبيع مع إسرائيل "مع عدم إهمال القضية الفلسطينية". إن قراءةً متأنية للموقف السعودي تظهر أن الحصول على برنامج نووي سعودي لمواجهة التهديد الإيراني، يأتي على رأس الأولويات السعودية، وأن الاهتمام بالقضية الفلسطينية لا مجال له لأن يرقى لتنفيذ المبادرة العربية للسلام التي أطلقتها السعودية قبل عشرين عامًا، خاصة أن الحكومة الإسرائيلية غير مستعدة لما هو أقل من ذلك بكثير. تتمثّل النتيجة المنطقية الوحيدة لهذا الموقف في أن السعودية قبلت مبدأ التطبيع مع إسرائيل، قبل تنفيذ المبادرة العربية للسلام وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة كافة، وأن المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة تتعلق بالثمن، ما يؤكد أننا ندخل مرحلة جديدة من الصراع لم تعد تتمحور حول مبدأ الأرض مقابل السلام.

نأتي إلى الموقف الإسرائيلي وتصريحات وزير ماليتها سموتريتش الذي قال إن إسرائيل غير مستعدة لإيقاف الاستيطان، أو حتى التخلي عن المزيد من المناطق (ج) للسلطة الفلسطينية، فما بالك بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية. من الواضح تمامًا أن أية "تنازلات" إسرائيلية يتضمّنها اتفاق سعودي إسرائيلي لن تكون إلا لفظية، وعدا ذلك ستسقط الحكومة الإسرائيلية، وهو ما لا يريده نتنياهو إن أراد البقاء خارج السجن. إن توقيت التوقيع على اتفاق سعودي–إسرائيلي مرتبط عمليًا بنتيجة المفاوضات السعودية–الأميركية، أما ارتباطه بتنازلات إسرائيلية فسيكون على الأغلب ارتباط لفظي. لا يحتاج المرء إلى كثير من التحليل لاستنتاج أننا دخلنا مرحلة جديدة لم يعد فيها أي حل للقضية الفلسطينية ذا أولوية أميركية أو دولية أو عربية، وبالتأكيد ليس أولوية إسرائيلية.

تضع المرحلة الجديدة الأردن في وضع صعب للغاية، لكن هذه الصعوبة لن تسهل إن استمر الأردن بمقاربة تُعظّم التعاون الاقتصادي مع إسرائيل "درءًا لشرها". فنحن نتعامل مع دولة لا تضمر الخير للفلسطينيين، ولا للأردن أيضًا. وفيما لا يملك الأردن أوراق الحل، هو يملك بالتأكيد أن يفضح الممارسات الإسرائيلية كما فعل الملك عبدالله الثاني، ويملك أن يتحدث عن الحقوق الفلسطينية كما فعل الملك، ويملك أن يوقف أوجه التعاون الاقتصادي، كما لم يفعل الأردن حتى الآن، ويملك رسميًا وشعبيًا أن يفعل ما يستطيع لدعم صمود الفلسطينيين على الأرض الفلسطينية.

لا توجد فرصة اليوم لأي حل، وبالتأكيد ليس لحل الدولتين. فإذا مرّ عقد أو اثنان من الزمان يصبح فيه الفلسطينيون أغلبية واضحة داخل الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، سيفرض الحل الديمغرافي نفسه، إلا إن رضي العالم بنظام تمييز عنصري أبدي، وهو ما أستبعده. في المرحلة الجديدة للصراع، يجب أن يشكل دعم الصمود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية دعامة الموقف الأردني. فإن كانت إسرائيل تستغل عامل الوقت لابتلاع المزيد من الأرض، فلنستغل عامل السكان الذي سيجعل الوقت لصالح القضية، بدلًا من ضدها. هذه مصلحة أردنية بامتياز، كما هي مصلحة فلسطينية.