عشت عامي الأول في باكستان
عشت 3 سنوات في أندونيسيا
أي قضيت أربعة سنوات من طفولتي و بدايات المراهقة بين دولتين ذات كثافة سكانية عالية و حيث كان الفقر واقع ظاهر للعيان لكن في نفس الوقت لمست علي صغر سني تفرد شعبي باكستان و خاصة أندونيسيا بروح أفتقدها هنا في الجزائر و العالم العربي ككل.
هذه الروح التي عاش و يعيش بها المسلمين في آسيا، تضفي علي صاحبها رجل أو إمرأة شكل من أشكال اليقين الممزوج بوعي يجتهد بكل ما أوتي من ذكاء و قوة و صبر دون رسم أهداف مبالغ فيها.
في آسيا تعلمت العيش مع الطبيعة و التدبر فيها مليا كي تسكب في ذلك الشعور الواعي تماما بعظمة الله عز و جل و كيف يجسد لنا آياته في كائناته الحيوانية و النباتية، فلم تغريني قط مباهج الحياة و متاعها الفاني.
عشت هناك بإحساس عميق بالعرفان لخالق العباد ولازلت، فقد حباني بنعم كثيرة و ذكرني في كل مرة بإعجازه العظيم الذي لا مثيل له في بسطه معالم راحة البال مع حياة بسيطة لا فخامة فيها و لا كماليات بل إبتسامة طفل أندونيسي و هو ذاهب إلي مدرسته تعادل كل ثراء العالم الزائف.
فما أعطتني إياه آسيا غير قابل للوصف أو التدوين. و الحمد لله لازلت امتلك في حنايا ذاتي الكثير من حكمة أهل آسيا و حكمتهم في العيش دون المبالغة في الطموحات، فهناك صنف من الطموح الذي ينسي العبد ربه ليتحول إلي نقمة...
اذكر وجبة السمك المجفف الذي كنت أتناولها مع خادمتنا الأندونيسية و كيف كانت تدعوني ببساطة إلي مقاسمتها غداءها المتواضع و كنت استجيب لدعوتها مخافة إغضابها...ففي جزر جاوة دعوة الإنسان البسيط لأخاه لا ترد...
إلهي كم الحياة جميلة هناك في جزر الجوز الهندي و البساطة و الغيث الموسمي و التحف الخشبية، لك الحمد و الشكر الذي أخذتني إلي هناك، إلي حيث تعلمت التواضع و البساطة و الحمد و الشكر و جعلتني أغرف من بحر الحكمة الآسيوية.