المفهوم الكوني للأيديولوجيا يتمثَّل بالنظرة التاريخية للعالَم، بعيدًا عن التعصب السياسي لحزب أو اتجاه، و هذا الارتقاء من الخاص إلى العام، و من الجزئي إلى الكلي، ليس معناه الشمولي بالمفهوم الأيديولوجي الحزبي؛ و إنما بمفهوم الرؤية للعالم.
و من هنا يتبيَّن الفارق بين المفهوم السياسي و الكوني للأيديولوجيا، بوصف الرؤية للعالَم مجموعة من الطموحات و الأحاسيس و الأفكار التي تجمع بين أعضاء جماعةٍ ما، غالبًا ما تنتمي إلى النخبة المثقفة، التي تتجرد من أية نزعة حزبية أو نفعية، و تعترف بالأيديولوجيات الأخرى و ما فيها من مزايا.
المهم أن الرؤية للعالَم تتجاوز الرؤية الجزئية - الطبقية أو القومية - من خلال منظور إنسانيٍّ قِيَمي بقصد إدراك سيرورة التاريخ و تحوُّلاته؛ فالفرد بإمكانه أن يتجاوز مصلحته داخل الجماعة، و ينظر إلى ذاته و إلى أيديولوجيته بصفتها واحدة من الأيديولوجيات، ثم ينتقل إلى الأيديولوجيات كرؤية شمولية، و هذا يحتاج إلى أفراد بلغوا مستوى عاليًا من الثقافة و الموضوعية تؤهِّلهم لإصدار أحكام و تقييمات حول العالَم؛ لإدراك دور من أدوار التاريخ كقصدٍ يتحقق عبر الزمن؛ كأن يتصدى عالِم أو فقيه أو مفكِّر لمنعطف تاريخي أو دراسة ظاهرة الاستعمار العالمي بحياد تام.
و هذه النظرة لا تتحقَّق إلا عند العلماء و الكتَّاب الكبار، في حدود النسبيَّة التاريخية بوصفها مرجعًا و تفكيرًا، و في مجال الندوات الثقافية و المؤتمرات العالمية التي تتناول قضايا كونية؛ كالحرب و السلام، و مستقبل العالم.