قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 06 آب/أغسطس 2014 07:41

السياسة التركية اتجاه قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي ما بين 1908 - 1948

كتبه  الأستاذ عبد الرحمن القدوري
قيم الموضوع
(1 تصويت)
تمهيد:
تمثل قضية الصراع العربي الإسرائيلي عاملا أساسيا و محوريا في مسار العلاقات العربية التركية، فقد تأرجح الموقف التركي منها بين التأييد و الحياد على حسب الظروف الدولية و الإقليمية، و على حسب المصالح القومية التركية في المنطقة و التي ترتبط بشكل كبير بالمصالح الأمريكية.
و أحاول في هذه الدراسة أن أسلط الضوء على جزء من تاريخ القضية و مواقف تركيا منها، و بشكل أخص في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حين بدأت سياسة تهويد فلسطين.
كما أن فترة الحكومة  الاتحادية ابتداء من عام 1908 تعد مرحلة مفصلية في الموضوع، فحينذاك اتبع الأتراك سياسة التتريك القائمة على سيطرة العنصر الطوراني و تهميش بقية العناصر، مما أدى إلى اصطدامها بالقومية العربية الناشئة في الثورة العربية عام 1916 مما انعكس سلبا على فلسطين حيث وقعت تحت الوصاية البريطانية و إصدار وعد بلفور لليهود عام 1917 .
1- السياسة التركية في عهد حكومة الاتحاديين (1908 – 1920):
أ- السياسة الطورانية و التغلغل اليهودي في تركيا :
          تألفت النواة السرية الثورية الأولى المناهضة لسياسة عبد الحميد من طلاب "المدرسة الطبية العسكرية الإمبراطورية " في الأستانة، و قد تأثر الشبان الأتراك بالمدربين الأجانب الذين استقدمهم السلطان لتدريب الجيش، كما تأثروا بأمهات الكتب الكلاسيكية الغربية، و قد أصبحت مترجمة حديثا إلى التركية و عرفت النواة الأولى باسم "الترقي و الإتحاد"بدل "الإتحاد و الترقي"، في سنة 1895م نفت الدولة العديد من رجال الجمعية، و في السنة التالية اكتشفت بالصدفة مؤامرة انقلابية، فتجددت الأوامر بالنفي  و شهدت السنوات السبع اللاحقة استمرار جماعة في المنفى و جماعة في الداخل، و قد تم توحيد الجماعتين في سنة 1907م باسم "الإتحاد و الترقي"على أن يبقى للجمعية مركزان أحدهما في باريس و الآخر في "سالونيك"، و قد كان الهدف الأساسي للجمعية إعادة العمل بدستور مدحت باشا الصادر عام 1876م. 1
     عرفت الجمعية  بأنها المنظمة السرية لجمعية "تركيا الفتاة"، و منذ إعادة العمل بالدستور سنة 1908م، أخذ العثمانيون من القوميات المتعددة العمل و التعاون مع الاتحاديين، و قد انجرف هؤلاء جميعا بسحر الشعارات الاتحادية و المترجمة عن الثورة الفرنسية "الحرية، العدالة، المساواة " و ظنوا بالاتحاديين صدق الإيمان بهذه الشعارات، و صدق الإخلاص لقسم و أهداف الجمعية، فألّف الألبان، الشركس، الأكراد، الروم، الأرمن جمعيات خاصة بهم، كما ألف العرب جمعية "الإخاء العربي العثماني"  لكن الاتحاديين رفضوا إدخال العرب في اللجنة المركزية لجمعية الإتحاد والترقي، و رفضوا حتى دعوتهم للمفاوضة حول الشؤون الداخلية، و لم يبادر الاتحاديون بمثل هذه الشراسة أي شعب عثماني آخر، و في هذه المرحلة بات واضحا أن الاتحاديين أنفسهم كانوا يعانون من انقسامات داخلية في اتجاهات سياسية ثلاثة:
الاتجاه الأول : يسعى إلى التتريك في ظل العلم العثماني، و هذا هو السياسة الطورانية.
تحدث عن القومية الطورانية في الدولة العثمانية العديد من الكتاب و المفكرين الأتراك منهم الصحفي اليهودي "موئير كوهين"2 الذي تحدث عن الضمير القومي، و اليقظة القومية السائدة في أيامه و عن المفهوم القومي لدى الأمم، و عن أتراك  أذربيجان و القوقاز، و "لاملى دافيدز" و "ليون كاهون" و "خامبري" و كلهم يهود و أعضاء بارزون في جمعية الإتحاد و الترقي، و أيضًا "إميل دوركايم"اليهودي الفرنسي الذي عاش في تركيا فترة انتشار حركة التتريك في الدولة العثمانية.
      و مفهوم القومية الطورانية هو قيام دولة تركية طورانية تجمع أتراك العالم في دولة واحدة  هي تركيا، و العمل على تتريك جميع البلدان التابعة للدولة العثمانية، و اشتقت كلمة الطورانية من "طوران" و هو موطن القبائل التركية الذين كانوا يعيشون في منطقة جنوب إيران. 
     نشأت الطورانية و تطورت بأفكار اليهود الذين يعيشون في تركيا متأثرين بالوهم السابق  و هو أن يجتمعوا في تركيا و منها إلى أرض الميعاد فلسطين، و من فكرة الطورانية حدث نفور من العرب لدى الأتراك، و تحالفت تركيا مع إسرائيل ضد العرب و المسلمين. و من أهداف هذا الفكر الدعوة إلى تغيير مفردات اللغة التركية من الحروف العربية إلى الحروف اللاتينية و القيام بوحدة تركية بديلة عن الوحدة الإسلامية.
    و بذل اليهود جهدهم في نشر الفكر الطوراني في تركيا، حيث بدّل الضباط الذين كانوا في جمعية الإتحاد و الترقي، و جمعية "ترك أوجا كي"-أي طائفة الترك- أسماءهم بأسماء طورانية . و تدخلت الحكومة التركية في المدارس العالية و المدارس الحربية و مدارس الحقوق و الطب و الهندسة و غيرها، و استغنى التلاميذ في جميع المدارس الابتدائية و الإعدادية والعالية عن الكتب الإسلامية.4
     قامت العديد من الدول الاستعمارية في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين بإقامة علاقات فكرية و ثقافية قوية مع من ينتمي و يتحزب للفكر الطوراني و اختارت هذه الدول بعض الشخصيات القومية البارزة لتحاول استغلال الحركات القومية من أجل هدم الدولة العثمانية من الداخل، فنشأ جيل جديد في بعض الكليات العصرية في تركيا يستهين بقيمة الدين الإسلامي و تراثه 5.
     و استغلت جمعية الإتحاد و الترقي كل أفكار الطورانية ضد من هو غير تركي، و رأت أنه من  الضروري سحق العناصر غير التركية بمطرقة تركية، حتى شمل الأمر أن أصحاب جمعية الإتحاد والترقي من اليهود ترى ضرورة فرض اللغة التركية لتحل محل اللغة العربية في البلدان العربية، و من جانب آخر فإن الأتراك كانوا يخدمون اللغة العربية لأنها لغة دينهم الإسلامي، فعمل هؤلاء على سياسة الهدم من الداخل، و إظهار الغرور للشعب التركي و الافتخار بالطورانية بدل التحالف مع الدول العربية، و ظهرت العصبية التركية 6.
و الاتجاه الثاني : كان يرى أن الانفكاك أمر ضروري، لأن اصطباغ العرب بالجنسية التركية  ليس أمرا سهلا و لا ممكنا برأيهم، هذا بالإضافة إلى الخطر الذي يجابه الترك من بقاء العرب في دولتهم، لكون العرب يشكلون الأكثرية العددية .
و الاتجاه الثالث:كان يرى الحل في الإبقاء على الخط الحميدي من حيث الالتفاف حول العصبية العثمانية، و عدم إثارة العصبيات القومية خشية انهيار الإمبراطورية .7
في المرحلة الأولى، و بينما كان العرب ما زالوا يحسنون الظن بالاتحاديين، أقدموا على فتح فروع للجمعية في العديد من المدن العربية.
     و في فلسطين ،كانت مدينة القدس من أهم مراكز الجمعية، و قد حاكت جمعية الإتحاد و الترقي الحركة الماسونية  في سريتها و غرابة طقوسها، و كانت تستدرج الأعضاء الذين تختارهم ما بين ترغيب و ترهيب.
      و حتى قيام الحرب البلقانية، لم يكن الاتجاه الطوراني هو البارز، و لم يكن المؤمنون بالدستور و حسناته من الأتراك يأخذون بسياسة التعصب للقومية التركية، أما بعد انتهاء الحرب فقد كشر التيار الطوراني عن أنيابه و كانت أبرز  دلالات هذه السياسة محاولة التتريك بالقضاء على اللغة العربية، إذ لم يتسامح الحكام للعرب في فتح مدارس أهلية تدرّس اللغة العربية، و في المدارس الحكومية طبقت السياسة التي تهدف إلى سياسة التتريك، كما أوفدت الحكومة المعلّمين الأتراك  لتدريس اللغة العربية، و لم يكن هناك سوى اثنين من العرب بين أفراد بعثة علمية إلى أوروبا لدراسة العلوم المالية  من أربعمائة طالب، و لم يكتم وزير العدل التركي "نجم الدين منلا بك"، أن سياسة الحكومة هي سياسة تتريك العرب و قد أمر بأن تكون المرافعات في المحاكم باللغة التركية، و كذلك فرض على التجار العرب تقديم البيانات  إلى دوائر الجمرك باللغة التركية، و حتى الشكاوى المرفوعة إلى مجلس المبعوثان من المواطنين العرب بالتركية .8
     و لم يخف الاتحاديون بعد الكشف عن نياتهم  احتقارهم الشديد للعرب، و تحول التيار الطوراني من نشرات و نداءات مهووسة إلى سياسة تطبيقية سافرة، لمّا نكث الاتحاديون وعودهم للعرب بعد المؤتمر العربي في باريس، و لمّا منحوا جمال باشا الصلاحيات المطلقة للقضاء على أحرار العرب، فما كان على هؤلاء سوى مجابهة هذا العدوان الذي استهدف هويتهم و وجودهم.9
    و لم تكن الجهود المركزية للاتحاديين، و سياستهم العنصرية هي وحدها التي أثارت العرب، و إنما موقف هؤلاء اتجاه الحركة الصهيونية، فقد أحسّ العرب أن الاتحاديين غير مكترثين بالتسلل الصهيوني ناهيك عن تشجيعهم له. إن تلك الرؤية أدت مع مرور الوقت إلى التورط في مؤامرة تركية ماسونية صهيونية على حساب الفلسطينيين، و إن كان يبدو أن في ضوء بعض المصادر الوثائقية أن بريطانيا كانت وراء تلك المزاعم، فقد ادعى "السير جيرارد لوثر" السفير البريطاني في إسطنبول في رسالة  مطولة و مفصلة  بعث بها إلى الوكيل الدائم لوزارة الخارجية في 29 مايو 1910م أنه اكتشف وجود صلة بين الحكام الجدد لتركيا الذين وصلوا إلى السلطة بعد ثورة 1908م و بين المؤامرة اليهودية الماسونية، و تمضي الرسالة فتذكر أن "ناثان"عمدة مدينة روما اليهودي و بعضاً من الشيوخ و النواب اليهود كانوا أيضاً على ما يبدو من الماسونيين، كما أن الحكومة الإيطالية عينت يهوديا ماسو نيا يدعى "بريموليفي"، لم يكن من قبل في السلك الدبلوماسي قنصلا عاما في سالونيك، كما تم تعيين "أوسكار ستراوس"سفيرا أمريكيا هناك، كما كان له مع يعقوب سكيف تأثير على الأمريكيين اليهود لصالح الهجرة إلى بلاد ما بين النهرين لمعارضة الخطط الإقليمية و كشكل ممتد للصهيونية، و ظهر بشكل جلي أن سالونيكا كانت مسرحا لعمليات الماسونية العالمية، و هي مدينة بتعداد سكاني يصل إلى حوالي  140 ألف نسمة  بينهم 80 ألف من اليهود الأسبان، و 20 ألف نسمة من طائفة "زاباتي ليفي" أو اليهود المتسترين "الدونمة"10.
       و الدونمة  هم مجموعة من اليهود هربوا من ظلم محاكم التفتيش في "إسبانيا"في القرون الوسطى، إلتجأوا إلى الدولة العثمانية، و استقروا في سالونيكا، ثم دخلوا في الإسلام، و مع تركهم لدينهم في الظاهر فإنهم  كانوا لا يتقيدون بأي قاعدة من قواعد الإسلام، لا يصلون و لا يصومون و لا يخالطون المسلمين الأتراك، و يعيشون منغلقين على أنفسهم، أذكياء نشيطون و ماهرون، و كانوا غير مندمجين في المجتمع التركي، ول ا يتناكحون مع الأتراك  فقد كان التزاوج من غير الدونمة محرّما عليهم في معتقدهم و مذهبهم.كان معظمهم يشتغلون بالتجارة، لذلك كانوا على علاقة دائمة بأوروبا، حيث أثّر فيهم المجتمع الأوروبي تأثيرًا ظاهرًا، كانت أرباحهم جيدة، و مستواهم الاقتصادي أعلى من مستوى غيرهم من المجتمعات. و بلغ تغلغلهم في مراكز صنع القرار التركي حدًا كبيرًا، حيث نشرت جريدة "المحراب" في عددها الصادر بتاريخ الخامس عشر من يناير سنة 1924م مقالا للكاتب و المؤرخ الفرنسي "جان برون" نقتطف منه ما يلي (إن أصحاب "المصيدة" – فرقة من الدونمة- هم أذكى الأقوام و الأجيال التي تعيش في مدينة سالونيكا، انتسب معظمهم إلى جمعية "الإتحاد و الترقي". و خلاصة القول أنهم قادوا الجانب الأكبر من ثورة "تركيا الفتاه"  هذه الثورة التي قام بها في الأساس يهود الدونمة، الذين أظهروا الإسلام، لكنهم ظلوا في الحقيقة يصارعون الإسلام، و بقيت علاقاتهم تقتصر على الأعمال الظاهرة  فقط. 11
      و فيما يبدو فقد تركزت المؤامرة  حول رجل يدعى "عمانويل قره صو" و هو يهودي ماسوني من سالونيكا، أصبح مبعوثا لتلك المدينة في عام 1908م، و قد أقام فيها محفلا عرف "بالمقر المقدوني" كان على اتصال بالماسونية الإيطالية، و كان يعمل على إغواء فتيان الترك، ضباطا و مدنيين لتبني الماسونية بهدف ممارسة نفوذ يهودي ملموس على الحكم الجديد في تركيا. و كان السفير البريطاني لوثر على اقتناع بأن الأفكار المستوحاة لحركة فتيان الترك التي نجم عنها إعلان الدستور و إعادة افتتاح البرلمان بعد انقلاب ناجح في عام 1908م قد جاءت من سالونيكا، و كانت في أساسها حركة يهودية، و على ذلك فإن كلمات الحرية، المساواة و الإخاء و هي شعار فتيان الترك كانت من مخادعات الماسونيين الإيطاليين، و حين أقامت الجمعية نفسها في استانبول عقب الثورة بقليل سرعان ما أصبح معروفا أن كثيرا من أعضائها القياديين كانوا من الماسونيين. و قد بدأ "قره صو" يلعب دورا كبيرا، بما في ذلك استيلاؤه الناجح على جمعية البلقان، و أصبح واضحا أن اليهود على اختلاف ألوانهم من أهالي البلاد و الأجانب من المؤيدين المتحمسين للنظام الجديد. و كان الاعتقاد أن كل عبراني يمكن أن يصبح جاسوسا ضالعا في الجمعية السرية، و أخذ الناس يدركون أن الحركة يهودية أكثر منها ثورة تركية.13
     و أهم قادة جمعية الإتحاد و الترقي اليهود، طلعت بك ناظر المالية الذي ينتمي إلى أصل غجري، و أجاويد ناظر المالية و هو يهودي متستر وراء الإسلام كانا بمثابة الواجهة الرسمية للسلطة السرية للجمعية، و كانا في حقيقة الأمر العضوين الوحيدين في مجلس النظار اللذين يعتدّ بهما، كما كانا أيضا على رأس الماسونية في تركيا، فمنذ أن أصبح طلعت بك ناظرًا للداخلية قام بنشر شبكة من الجمعيات الماسونية في الإمبراطورية و عين في الوظائف المحلية، بما في ذلك مناصب الحكام و الحكام الفرعيين ...و غيرها، رجالا ماسو نيين أو من المرتبطين بالجمعية  المعتمد عليهم أو الاثنين معا في معظم الأحوال. كما نجد أعضاءًا بارزين في الجمعية كانوا يهودا من أمثال "موئير كوهين" و "ابراهم غالانتي"،"تكين ألب"الذي حث الدولة التركية أن تعتمد على الأموال اليهودية بعد الحرب العالمية الأولى، و قال: إن تركيا غارقة في الديون و لا يستطيع الاقتصاد التركي أن يتعافى إلاّ بهذه الأموال اليهودية14.
      و يضيف السفير البريطاني :أن اليهودي يبدو أنه استوعب العقلية التركية الغافلة عن التطورات الاقتصادية الجارية حيالها، و لما كانت تركيا تحتوي على الأماكن المقدسة لإسرائيل، فقد كان من الطبيعي أن يجاهد اليهودي للحفاظ على مركز متنفذ مقصور عليه كي يستخدمه في تحقيق أهدافه، أي البناء الأساسي لدولة يهودية ذات استقلال ذاتي في فلسطين أو بابل، و في إمكانية اليهود مساعدة فتيان الترك بالعقول و المشروعات التجارية، و بنفوذهم القوي في الصحافة الأوروبية، و بالأموال التي يقدمونها مقابل الامتيازات الاقتصادية و الإنجازات المحققة لأهداف إسرائيل، بينما يتطلع فتيان الترك لاستعادة و تأكيد استقلالهم القومي و التخلص من النفوذ الأوروبي كجزء من الصحوة الآسيوية العامة. و باستخدام اليهود العثمانيين كقنطرة للالتقاء بين الصهيونيين و فتيان الترك بواسطة قوى الماسونية، فاليهودي الشرقي خبير بالعمل ببراعة في الأنشطة السرية و اختيرت الماسونية السياسية ذات الطابع القاري باعتبارها رابطا من أكثر الروابط فاعلية و ستارا لإخفاء الأنشطة الداخلية للحركة. 15
     و على ذلك، في التحليل النهائي كان الممثلون البريطانيون في إسطنبول يعتقدون أن اليهود السياسيين في تركيا مرتبطون بتنظيم صهيوني من خلال الماسونية الشرقية و أن الجميع يعملون لصالح ألمانيا على حساب بريطانيا.16
 2-  الثورة العربية الكبرى :
أ- مراسلات الشريف حسين-مكماهون :
      عشية نشوب الحرب العالمية الأولى، كانت الحكومة البريطانية تجري اتصالات بالشريف حسين بن علي، أمير مكة، بقصد استمالته و كسب العرب إلى جانبها و تشجيعهم على الثورة ضد الحكومة العثمانية التي كانت الدلائل تشير إلى احتمال خوضها الحرب إلى جانب ألمانيا، و كانت بريطانيا تهدف من وراء تشجيع العرب على الثورة ضد الأتراك، إلى إضعاف الموقف العسكري التركي و بالتالي تخفيف الضغط على قناة السويس، و حماية امتيازات النفط في العراق، و الحيلولة دون إجماع المسلمين على تلبية نداء السلطان العثماني للجهاد، كما كانت بريطانيا تخشى تعاظم النفوذ الألماني في العاصمة العثمانية، و رأت في مشروع الخط الحديدي الذي يربط برلين ببغداد تهديدا لمصالحها و مواصلاتها بين الهند و الخليج العربي. 17
      و هكذا استغلت بريطانيا تطلع العرب إلى الاستقلال عن الدولة العثمانية و تحقيق أمانيهم القومية في الوحدة و الحرية، و شجعتهم على الثورة ضد الحكومة العثمانية في مقابل وعود بالاعتراف بدولة عربية مستقلة ضمن حدود لا شك في أن فلسطين كانت داخلة فيها، على أن الحكومة البريطانية  أنكرت ذلك فيما بعد. و جرت الاتصالات البريطانية العربية بين السير هنري مكماهون المندوب السامي البريطاني في مصر، و الشريف حسين شريف مكة الذي فوض إليه رجالات العرب و قادة الحركات السرية الوطنية (جمعيات "الفتاة"و"العهد"و غيرهما )التحدث باسم العرب جميعا بشأن الاستقلال و الوحدة، و ذلك خلال الفترة من يوليو 1915 إلى مارس 1916م.18
       من الواضح، أن رجال الثورة الفلسطينية  من أبناء فلسطين لم يكونوا ليعلموا في مطلع الثورة بما ورد أو لم يرد في مراسلات حسين-مكماهون بشأن وطنهم فلسطين، غير أنهم كانوا يدركون بل يؤمنون بأن فلسطين جزء من الدولة العربية المرتقبة، و ما الثورة إلا مقدمة للدولة، و قد احتاجت فلسطين إلى ثلاثين عاما لتدرك أن وعد بلفور كان القرار البريطاني الوحيد بشأن فلسطين، و ما عداه كان حبرا على ورق.19
    في هذه الأثناء، كان القائد التركي جمال باشا يفتك بالوطنيين من الزعماء العرب، و يرسلهم إلى أعواد المشانق فكانت القافلة الأولى من شهداء الاستقلال في 21 أغسطس 1915م، و القافلة الثانية في 6 مايو 1916م. و كان بين الشهداء عدد من زعماء فلسطين، و كانت التهمة هي العمل من أجل استقلال سورية و فلسطين و العراق عن الدولة العثمانية، مما دفع بالشريف حسين إلى التعجيل في إعلان ثورته ضد الأتراك، و كان ذلك في 5 يونيو 1916م. 20
  ب- أحداث الثورة :
      كانت مهمة الجيش العربي الرئيسية تخفيف الأعباء عن الجيش البريطاني الحليف  بقتال الأتراك و مشاغلتهم، و مع قدوم عام 1917م كان هذا الجيش الحليف في نظرهم قد أمضى عدة أشهر  في الاستعداد لاقتحام فلسطين من الجنوب. جرت المعركة الفاصلة في غزة، ابتدأت بشراسة و قوة و استمرت لسبعة أيام، و قد ابتدأت بالمدافع الثقيلة و انتهت بالأسلحة البيضاء، و قد صمد الأتراك بشجاعة و لم يتراجعوا محتفظين بمراكزهم كلها.     
و كانت الثغرة التي نفذ الجيش البريطاني منها هي جبهة ضيقة صغيرة يتولى الدفاع عنها فرقة جنود في أغلبيتهم عرب، و قد انهارت هذه الجبهة  فتدفق الخيالة الأستراليون الأشداء و التفوا حول الجيش التركي .
     نتج من انهيار جبهة الجنوب أن توقفت طلائع جيش الصاعقة التركي القادمة من شمال فلسطين، و تلقت الجيوش التركية على ساحل البحر الأحمر الأوامر بالتراجع، و أخذت الجبهة في فلسطين بالانهيار على الرغم من استمرار الأتراك  القتال. تسلّم الجيش البريطاني مدينة القدس في  9 ديسمبر 1917م، و بالرغم من الدور الكبير الذي قام به الجيش العربي في مساندة حلفائه، إلا أن الجيش البريطاني تنكر لهذا الدور، و أولى علامات التنكر عدم رفع العلم العربي ضمن أعلام الحلفاء عند دخول المدينة، ثم فرض الاحتلال العسكري المباشر على فلسطين، و إصدار وعد بلفور المشئوم لليهود  لمساعدتهم على إقامة وطن قومي لهم في فلسطين .21
ج- وعد بلفور و فرض الانتداب على فلسطين :
     لما اندلعت الحرب العالمية  الأولى سنة 1914م, كانت الحركة الصهيونية قد خطت عدة خطوات على طريق استكمال مؤسساتها التنظيمية و السياسية و المالية، و وضع الأسس الأولى للاستيطان الصهيوني في فلسطين، و لكن هذه الخطوات على أهميتها، كانت لا تزال أضيق كثيرا من أن تشكل انجازاً حاسمًا بصدد النقاط الأربع لبرنامج بازل الهادف إلى إقامة الدولة اليهودية الصهيونية .
فمن جهة أولى، كانت أغلبية يهود العالم لا تزال خارج إطار الدعوة الصهيونية، و كانت تيارات يهودية مهمة تعارض العمل الصهيوني السياسي  في فلسطين, إما لأسباب دينية أو لقناعتها بأن حل المسألة اليهودية هو باندماج  اليهود في مجتمعاتهم على أسس المساواة و التحرر الليبرالي، و من جهة ثانية،كانت حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين تسير ببطء شديد، إذ كان توجهها الغالب لا يزال نحو أميركا و أوروبا الغربية، و لم يكن عدد اليهود في فلسطين يتجاوز النصف في المائة من يهود العالم .و من جهة ثالثة، كانت الحركة الصهيونية لا تزال تبحث عن البراءة الدولية أي عن قوة عسكرية كبرى تتبنى الهدف الصهيوني و تقدم الدعم السياسي و العسكري إلى برنامج الهجرة و الاستيطان، و تنقل مشروع الصهيونية من نطاق الحلم إلى حيز الواقع .يضاف إلى كل ذلك، أن برنامج الاستيطان الصهيوني في فلسطين كان قد أخذ يصطدم بالتنبه المتعاظم للخطر الصهيوني من قبل السكان العرب، أصحاب البلاد. 22
 أدركت الحركة الصهيونية ضرورة التحرك للحصول على دعم إحدى القوى الاستعمارية الكبرى، و برز تياران أحدهما يرى ضرورة توثيق الروابط مع ألمانيا إذا ربحت الحرب، و التيار الآخر يرى ضرورة الاتصال ببريطانيا بحكم أنها الدولة الاستعمارية العظمى، التي دانت لها أقطار الشرق و الغرب، و بالفعل مالت الكفة للطرف الثاني و تولى "حاييم وايزمان"العمل في هذا الاتجاه بتكثيف اتصالاته بالقائد البريطاني جيمس بلفور انتهت بإصدار وعد بلفور الشهير، و يتضمن وعد بريطانيا لليهود بدعمهم  في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين. 23
تم احتلال فلسطين من قبل الجيوش البريطانية في سبتمبر 1918، و أقيمت فيها إدارة عسكرية باسم "الإدارة الجنوبية لبلاد العدو المحتلة "، أبريل 1918 قبيل إتمام احتلال فلسطين، وصلت اللجنة الصهيونية إلى فلسطين برئاسة حاييم وايزمان، و كانت غايتها إرساء الأسس الكفيلة بإقامة الوطن اليهودي تنفيذًا لتصريح بلفور، و قد لقيت هذه اللجنة كل مساعدة من الإدارة العسكرية. و في عام 1920 أعلنت بريطانيا إنهاء الإدارة العسكرية و قيام إدارة مدنية محلها، و تعيين الوزير اليهودي البريطاني السابق و أحد أقطاب الصهيونية في بريطانيا  هربرت صموئيل أول مندوب سام لها على فلسطين، و الذي شرع منذ وصوله في وضع البلاد في حالات سياسية و اقتصادية و إدارية تؤدي إلى قيام الوطن القومي اليهودي.24
2-  في عهد مصطفى كمال و أتباعه (1924-1945):
 أ-حياته و وصوله الى الحكم:
   ولد مصطفى علي رضا، بمدينة سالونيكا الساحلية التي تقع على بحر ايجه باليونان في يوم من أيام عام 1881 لأب يعمل موظفاً بسيطا في دائرة الجمارك العثمانية و لأم (زبيدة)كانت بالغة في الالتزام في تدينها، تزامنت ولادته مع ظروف سياسية و اجتماعية فريدة في مدينة سالونيكا و جوارها، ففي هذه البلدة اجتمعت  عبر قرون منذ أن فتحها العثمانيون ثقافات متعددة أهمها الهيلينية اليونانية و المقدونية و السلافية و التركية العثمانية، و كانت من أولى المناطق التي شهدت أحداث تمرد على الحكم العثماني بمجرد أن  حلت الهزيمة بالسلطنة على يد روسيا القيصرية في أواخر النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فكانت نشأة مصطفى فيها ذات أثر في تكوينه لامتلاء المدينة و ضواحيها في ذلك الوقت بمزيج من الأعراق و الأديان المعادية للسلطان.2
بعد وفاة الأب انتقلت الأم و ولدها و شقيقته إلى بيت أخيها حسين أفندي بإحدى البلدات الريفية قرب مدينة "لانجازا"(باليونان حاليا)،كان ذلك مما أحدث تغيرا نوعيا في حياة الصبي الذي أصبح يقضي وقته بين المزارع الخضراء ، و ما لبث أن طلب من أمه استكمال تعليمه، و حيث لم يكن هناك من بدائل في البلدة سوى التعليم الديني (التركي) أو التعليم المسيحي اليوناني فقد أودعته أمه زبيدة المدرسة التركية، و لكنه رفض بعد فترة وجيزة الاستمرار فيها فأوكلت شأنه لمعلم كان يحضر لتدريسه في المنزل، و لكن مصطفى تمرد عليه .26
دخل مصطفى المدرسة الثانوية العسكرية في سالونيكا عام 1893 و هو ابن الثانية عشر و بدأت بذلك الحياة العسكرية لرجل سيغير بعد ثلاثة عقود من هذا التاريخ مجرى تاريخ وطنه و أوطان كثيرة حوله . بدا واضحا تميزه و تفوقه على أقرانه بدرجة بالغة في الانضباط و في العلوم، و كان ذلك مما دعا أحد معلميه إلى تسميته "كمال" فأصبح منذ ذلك الوقت يدعى "مصطفى كمال.
بعد عامين، انتقل إلى مدرسة التدريب العسكري في "موناستر" التي تأثر بإقامته فيها بدرجة كبيرة حين تعرف لأول مرة من خلالها على ما يجري في العالم، كانت المدرسة مسرحا لتحزبات أيديولوجية و عرقية و سياسية سائدة في المدينة، التي كانت تحفل بدورها بالحركة و النشاط السياسي، فعرف لأول مرة حقيقة كونه "تركياً"وسط  بلغار وصرب و يونانيين و مقدونيين.في عام 1899 تحول مصطفى كمال إلى مدرسة المشاة بكلية الحرب بإسطنبول، و تخرج منها ملازما في عام 1902، و أنهى دراسته في كلية الحرب و حصل على رتبة نقيب في عام 1905. في هذه الفترة حصل مصطفى كمال على جرعات من التثقيف السياسي الغربي، الذي أسهم في صياغة أفكاره و ميوله و انتماءاته .27
كانت إسطنبول وقتها تنقسم إلى عالمين :شرقي و غربي، و بدا القسم المسلم منها فقيرا مظلماً فيما بدا القسم الغربي يتلألأ، و يحفل بالحركة و النشاط و الازدهار.كان المناخ السياسي في عاصمة السلطنة منفتحاً بفضل الصحف و الأحزاب و الحركات المختلفة، و منعكسا في قضايا تطرح للنقاش العام الذي أبدى مصطفى كمال اهتماما بالمشاركة فيه على نطاق محدود مع أصدقائه عن سياسة السلطان عبد الحميد الثاني و حركة تركيا الفتاة، و جمعية الإتحاد و الترقي، و عن حقوق الأفراد و واجبات السلطة ...،و أصبح الضابط الصغير يعيش في مناخ سياسي متشبع بأفكار التغيير و الثورة التي كانت على وشك الحدوث. 28
عاش مصطفى في شقة صغيرة بحي بايزيد في اسطنبول، و استأجر مع عدد من رفاقه أخرى لعقد لقاءاتهم "السرية "للنقاش لكنه اعتقل و رفيقه بعد وشاية من آخر، و تم إيداعهما السجن العسكري لشهور، ثم أطلق سراحهما على أن ينقلا للعمل في مواقع بعيدة عن اسطنبول عقابا لهما، كان الخيار في بادئ الأمر سالونيكا أو مقدونيا، لكن مصطفى وجد نفسه و صديقه  في الشام.29
بعد فترة أمضياها بين بيروت و دمشق و العقبة و القاهرة، اشترك مصطفى في تأسيس جمعية سرية في سوريا باسم "الوطن"بعيدا عن قبضة السلطان عبد الحميد الثاني في اسطنبول، و ذهب إلى سالونيكا خلسة دون إذن ليؤسس فرعا لها هناك باسم" الوطن والحرية"، و بعد عامين من مراقبة انضباطه العسكري تم ترقيته و جرى نقله إلى رئاسة أركان دمشق ثم انتقل بناء على طلبه إلى رئاسة أركان سالونيكا في 1907 .30
في سالونيكا، وجد مصطفى كمال منظمة ثورية كبيرة قد تألفت هناك تحت اسم "الإتحاد
و الترقي"، تضم الضباط الذين أطلقوا على أنفسهم لقب" الضباط الأتراك".31
و كانت اجتماعات الاتحاد و الترقي تعقد في بيوت بعض اليهود المنتمين للجنسية الإيطالية و الجمعيات الماسونية، إذ دأب أعضاء الجمعية على الاحتماء بحصانة هؤلاء اليهود من القبض عليهم أو محاكمتهم أمام المحاكم التركية بحكم معاهدات الامتيازات الأجنبية، كما أن بعض أعضاء الإتحاد و الترقي قد انضموا إلى جماعة "الماسون"و استعانوا على تأليف جمعيتهم الثورية  و تنظيمها باقتباس أساليب المنظمات الماسونية .32
و لما انضم مصطفى كمال إلى إحدى شعب الجمعية وجد أن غالبية الأحاديث تدور حول اضطهاد اليهود في روسيا و في سواها من الدول الأوروبية. فأدرك أنه تورط في الانضمام إلى منظمة دولية سرية هدامة، و هو الذي لم تعنيه في شيء طقوس الماسونية أو اضطهاد اليهود، و كان كل ما يعنيه إنقاذ تركيا من استبداد السلطان و مطامع القوى الأجنبية. كما أن جمعية الاتحاد و الترقي لم تعهد إليه بما يتفق مع طبيعته القيادية الآمرة الناهية، بل كان عضوا عليه تنفيذ الأوامر خلف نقاب الطقوس الماسونية المعقدة . و من هنا، ثارت ثائرته على الجمعية، و تشاجر مع زعمائها و اعتبر أن قادتها و زعماءها ليسوا سوى خونة و مغفلين مغرورين هدفهم الوصول إلى السلطة بأي ثمن، و بدأ يبتعد عن الجمعية و يوجّه نقدا لاذعا لها و إن ظل على عضويته بها.33
و واصل مصطفى كمال ما كان قد بدأه من قبل في تأسيس خلايا جديدة لجمعية الوطن، فكان يعقد اجتماعات سرية مع الضباط الصغار و الجنود ليشرح لهم الأخطار التي تحيط بالبلاد و ضرورة القيام بالثورة، غير أن الثورة اندلعت ليس على يد مصطفى كمال، و إنما على يد زعماء الإتحاد و الترقي.  
بعد ذلك تنقل مصطفى كمال بين أكثر من موقع و بلد، و أدى بنجاح لافت لنظر رؤسائه كافة المهام التي أوكلت إليه، و حصل على ترقياته العسكرية حتى رتبة جنرال و عين ملحقا عسكريا للبلاط العثماني لدى بلغاريا عام 1913 ، بقي هناك عاما واحدا ثم رجع إلى إسطنبول نظرا لظروف الحرب العالمية الأولى .
خلال الحرب أدى أبدع أدواره العسكرية في 1915، عندما صد هجوما شنه الحلفاء على القوات العثمانية عند مضيق الدردنيل، و أنقذ بذلك عاصمة الخلافة حيث كان عبور الحلفاء لهذا المضيق يعني مباشرة أنهم سيحتلون اسطنبول .34
ذاع  صيت الرجل عبر أنحاء الدولة كلها و خارجها، لدرجة أن قيصر ألمانيا استفسر عند تقديمه إليه باعتباره رئيس الهيئة المرافقة لولي عهد السلطنة الذي كان يزور ألمانيا عام 1918، عما إذا كان هو ذاته مصطفى كمال بطل معركة الدردنيل أم شخص غيره.
حلت هزيمة قاسية بالدولة العثمانية، و اضطرت إلى سحب قواتها قسرا ًمن أملاكها في البلاد العربية، و احتل الحلفاء المنتصرون أراضي السلطنة و ولاياتها العربية و قسمًا من الأناضول و إسطنبول و غيرها. نزل البريطانيون في اسطنبول و انتزعوا السيادة العثمانية عليها،و اقتطع اليونانيون جزءاً من غرب الأناضول عند أزمير و ما حولها، بحجة أنها في الأصل أراض يونانية  اغتصبها الأتراك، و احتل الإيطاليون مدينة انطاليا الساحلية على البحر المتوسط، و توغل الفرنسيون شمال خط الانتداب على سوريا نحو مدينة عنتاب.
بعد انتهاء الحرب تم إحالته للاستيداع، فأصبح هو و كثيرون من ضباط الجيش العثماني بلا عمل فعلي، فعكف على ترتيب أوضاعه المعيشية فاشترى بيتاً في اسطنبول و نقل والدته لتعيش معه.
في هذه الأثناء كانت تركيا تعاني الانهيار التام، فقد وقعت حكومة السلطان وثيقة سيفر 1920، و قبلت بما تضمنته من تقسيم للوطن التركي. و حدثت بالمقابل حركة تمرد قومية لدى أقلية يونانية شمال الأناضول قرب ساحل البحر الأسود.35
و تحول مصطفى كمال إلى التحرك سراً لإطلاق حركة مقاومة شعبية ضد الاحتلال. و تألفت في العاصمة عدة جمعيات سرية هدفها سرقة الذخائر و الأسلحة من المستودعات الخاضعة  لقوات الحلفاء و إرسالها إلى أنصارها في الجبال الذين بدؤوا يشنون حرب عصابات على قوات العدو، و كانت الحركة تلقى التشجيع و المعونة من بعض الرسميين ذوي المراكز الكبيرة في الحكومة من أنصار مصطفى كمال و على الحدود الشرقية في جبهة القوقاز، بدأ كاظم قرة بكير و قواته التي لم تدخل المعركة يعصون أمر الحلفاء بشأن تسريح الجيش.
و للمفارقة، إنتدبت الحكومة مصطفى كمال لقمع المقاومة الشعبية و حركة التمرد في الأناضول و الجبهة الشرقية، اعتقادًا منهم أنها من تدبير جمعية الاتحاد و الترقي، فاستغل الفرصة للعمل بحرية أكبر و اخذ ينظم صفوف المقاومة و يدعو الشعب التركي إلى الثورة، و كان له ما أراد إذ تم تحرير كل الأراضي التركية المحتلة و أرغم الحلفاء على توقيع معاهدة جديدة هي معاهدة لوزان 24 يوليو 1923، و التي صدق المجلس الوطني الكبير عليها في أغسطس 1923، و تم تحقيق الاستقلال الكامل لتركيا برئاسة مصطفى كمال الذي لقب ب"الغازي".  36
ب-إصلاحات أتاتورك و رد الفعل العربي عليها:
بعد أن دانت السيادة المطلقة  لمصطفى كمال في تركيا، بعد أن جمع في يده بين رئاسة الدولة و رئاسة حزب الشعب، و رئاسة المجلس الوطني الكبير  و القائد العسكري العام في البلاد، شرع في الإصلاحات الكبيرة التي غيرت وجه تركيا و نقلتها من نظام الحكم العثماني إلى نظام الحكم الجمهوري الحديث.
فلما استوثق من الجيش و الحزب و المجلس الوطني، تقدم في 3 مارس 1924 بمرسوم إلى المجلس الوطني يقضي بإلغاء الخلافة و طرد الخليفة و فصل الدين عن الدولة ... و خاطب النواب المنفعلين قائلا :"بأي ثمن يجب صون الجمهورية المهدّدة و جعلها تقوم على أسس علمية متينة، فالخليفة و مخلفات آل عثمان يجب أن يذهبوا، و المحاكم الدينية العتيقة و قوانينها يجب أن تستبدل بها محاكم و قوانين عصرية، و مدارس رجال الدين يجب أن تخلى مكانها لمدارس حكومية غير دينية ".37
و قد شرع مصطفى كمال في تطبيق أفكاره  منذ عام 1925، بحيث أصدر قرارا يقضي بمنع ارتداء الطربوش الذي كان يمثل عنوان الثقافة العثمانية في القرن التاسع  عشر و أقرّ القبعة الأوروبية عنوانا لشباب الجمهورية التركية الفتية. كما أصدر قراراً آخر بإلغاء الطرق الصوفية و مصادرة أملاكها و إغلاق جميع المزارات و قبور الأولياء...الخ. كما طبّق القانون المدني السويسري و ألغى الحجاب مع نهاية عام 1926، كما قام بتغريب التعليم و تغيير حروف اللغة التركية من العربية إلى الحروف اللاتنية38 .
و في عام 1935، جرى تغيير يوم العطلة الأسبوعية من يوم الجمعة الذي له قدسية عند المسلمين إلى نظام العطلة الأسبوعية الغربية. و في عام 1938 ألغى أتاتورك مادة الدستور التي تتضمن أن الإسلام دين الدولة التركية.39
أما بالنسبة لاستيعاب البلاد العربية لإصلاحات أتاتورك فإن إلغاء الخلافة و نفي آخر الخلفاء عبد المجيد قد سبب صدمة في كل أنحاء العالم و تعاظم حجمها في البلاد الإسلامية حيث لم يكن أحد يتوقع حدوث مثل هذا الاحتمال، و قد انتقدت الدوائر الإسلامية بعنف هذا التحطيم للتقاليد التي استمرت قائمة منذ القرن السابع، و قد اتهم العلماء أتاتورك بالإلحاد.
و ما أن تم إلغاء الخلافة حتى أعلن حسين ملك الحجاز نفسه خليفة و هو ما اعترضت عليه مصر و مسلمي الهند، في نفس الوقت فشل ملوك مصر و المغرب و أفغانستان في ترشيح أنفسهم للمنصب .
و كان من أكثر الإصلاحات إزعاجا للإسلاميين في العالم العربي هو إحلال الأبجدية اللاتينية محل  الأبجدية العربية، و قد ادعت تلك الدوائر أن تركيا أصبحت امتدادا ًلأوروبا، و أنها تسير قدما نحو ترك الإسلام و الحضارة الإسلامية.40
و فيما يتصل بقضية الإصلاحات عموما فإنه يمكن القول أنه في فترة ما بين الحربين، و بالرغم من المديح الدائم الذي لقيه دور أتاتورك كمحرر فإن إصلاحاته لم تلق إلا قليلا من الاهتمام، و لم  يوضع نموذجه عن  المجتمع العلماني قيد التحليل، إلا بعض الاستثناءات، الكاتب الإصلاحي علي عبد الرازق في مصر، عبد الحميد بن باديس في الجزائر، ساطع الحصري في سوريا، شكيب أرسلان في لبنان، و بعض الشخصيات السياسية مثل عبد الكريم الخطابي و فرحات عباس و الحبيب بورقيبة في شمال إفريقيا.
و على العموم نجد نوعا من الفتور و البرودة كان يشوب العلاقات العربية التركية، انعكس بالضرورة على مواقف تركيا الخارجية خاصة من قضية فلسطين، التي كانت تخضع لعملية تهويد واسعة فيما عدا بعض التحركات الشعبية غير الرسمية –فيما نعلم – مثل حضور ممثل عن تركيا عام 1929 للدفاع عن أحقية المسلمين لحائط البراق أمام اللجنة الدولية التي أوفدت لذلك عام 1930 إلى جانب ممثلين عن مصر و سوريا و لبنان و العراق و جاوة و الهند و إيران.41
و لكن  ذلك راجع إلى مجموعة من العوامل مجتمعة تمثل جذور المشكلة، فقبل كل شيء هناك الإدارة العثمانية التي حكمت العالم العربي لأربعمائة عام و التي نظرت إليها على الأقل  النخبة العربية الوطنية باعتبارها تسلطًا أجنبياً بالإضافة إلى المشاكل التي رافقت الهيمنة الاستعمارية على المنطقة و على رأسها قضية الموصل في العراق ما بين 1925 و 1926، و قضية الإسكندرونة في سوريا ما بين 1936 و 1939 و التي خلقت حساسية بين الأتراك و العرب طيلة هذه المرحلة، ثانيا كان من الصعب –كما رأينا سابقا-  أن تتوافق الطريقة التي قدم بها أتاتورك إصلاحاته مع الأحكام التقليدية للمجتمع الإسلامي  مما أدى إلى نفور العرب من تركيا، ثالثا فإنه بعد الثلاثينات دخلت تركيا مرحلة التعاون الوثيق مع الغرب و لم تعد تكترث بالعرب إلى حد ما. 42
الهوامش
1-                   رضا هلال .السيف و الهلال تركيا من أتاتورك إلى أربكان .ط1 .دار الشروق .القاهرة ،1999. ص 22.
2-                   موئير كوهين يهودي تركي ولد  في سالونيكا عام 1883،و انضم إلى جمعية الإتحاد و الترقي عام 1905،بعد تخرجه من كلية الحقوق ، و عمل عضوا أساسيا مع الإتحاديين و كتب في عدة صحف منها : روم إيلي ، عمل في الصحافة و صناعة التبغ بأنقرة ، و أستاذا بكلية الحقوق بإسطنبول ، و كان له معرفة بلغات عدة ، فعمل مترجما أيضا ، أصبح عضوا بالمجلس الإقليمي لحزب الشعب الجمهوري لمدينة إستانبول ، ثم عضوا بمجلس الأمة عام 1950 .
3-                   محمد عبدالله حمدان.الجماعات اليهودية في تركيا و أثرها على المجتمع التركي .رسالة دكتوراه. معهد البحوث و الدراسات الآسيوية .جامعة الزقازيق،2007.ص  152
4-                   محمود ثابت الشاذلي  .المسألة الشرقية دراسة وثائقية عن الخلافة العثمانية 1299-1923.الطبعة الأولى .مكتبة وهبة ،القاهرة ،1989.ص 168.
5-                   إحسان أوغلي و آخرون .العلاقات العربية التركية من منظور تركي .الجزء الثاني .معهد البحوث و الدراسات العربية و مركز الأبحاث للتاريخ و الثقافة الإسلامية بإستانبول ،1993.ص 135
6-                   عايدة العلى سري الدين ،دول المثلث بين فكي الكماشة التركية الإسرائيلية،ص 333.
7-                   بيان نويهض الحوت. فلسطين التاريخ السياسي من عهد الكنعانيين حتى القرن العشرين .الطبعة الأولى .دار الإستقلال للدراسات و النشر ، بيروت ، 1991.ص 185.
8-                   المرجع نفسه، ص 188.
9-                   إحسان أوغلي و آخرون،مرجع سابق،ص 136.
10-               المرجع نفسه ، 137.
11-               محمود ثابت ، مرجع سابق ،ص 172.
12-               محمد علي قطب .يهود الدونمة في تركيا .الدار الثقافية للنشر ، بدون مكان و سنة النشر .ص 50،51
13-               إحسان أوغلي و آخرون،مرجع سابق ،ص 138.
14-               عبد الله حمدان ،مرجع سابق ، ص 155.
15-               محمود ثابت ،مرجع سابق ،ص 175.
16-               إحسان أوغلي ،مرجع سابق ، ص 142.
17-               أحمد سعد الدين طربين .فلسطين تاريخها و قضيتها .مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،1993.ص 32.
18-               عمر الصالح البرغوثي . خليل طوطح.تاريخ فلسطين .مكتبة الثقافة الدينية ،بورسعيد،2001.ص 255
19-               بيان نويهض الحوت ، مرجع سابق ، ص 215.
20-               أمين سعيد .الثورة العربية الكبرى .المجلد الأول .مكتبة مدبولي ، القاهرة ، بدون س ن .ص 255.
21-               المرجع نفسه ، ص 257.
22-               أحمد سعد الدين طربين .المرجع السابق ، ص 35.
23-               لوكاز هيرزوير.ألمانيا الهتلرية و المشرق العربي .ترجمة أحمد عبدالرحيم مصطفى .دار المعارف بمصر ،بدون سنة النشر،ص 47.
24-               أحمد طربين ،مرجع سابق ، ص 37.
25-               مصطفى الزين  .ذئب الأناضول .الطبعة الأولى .مؤسسة الريس للكتب و النشر،قبرص ،1991 ص 21.
26-               محمد محمد توفيق .كمال أتاتورك .دار الهلال بمصر ،1936. ص 12.
  * - يقصد بذلك وصفه بالكمال لتفوقه و إنضباطه.
27-               أنظر:تركيا السيف و الهلال ص 30. أنظر أيضا كمال أتاتورك ص 17،ذئب الأناضول ص 33.
28-               حسن ياسر أحمد .تركيا البحث عن مستقبل .الهيئة العامة المصرية للكتاب ،القاهرة ،2006.
                 ص 34.
    
3-                   محمد عبدالله حمدان.الجماعات اليهودية في تركيا و أثرها على المجتمع التركي .رسالة دكتوراه. معهد البحوث و الدراسات الآسيوية .جامعة الزقازيق،2007.ص  152
4-                   محمود ثابت الشاذلي  .المسألة الشرقية دراسة وثائقية عن الخلافة العثمانية 1299-1923.الطبعة الأولى .مكتبة وهبة ،القاهرة ،1989.ص 168.
5-                   إحسان أوغلي و آخرون .العلاقات العربية التركية من منظور تركي .الجزء الثاني .معهد البحوث و الدراسات العربية و مركز الأبحاث للتاريخ و الثقافة الإسلامية بإستانبول ،1993.ص 135
6-                   عايدة العلى سري الدين ،دول المثلث بين فكي الكماشة التركية الإسرائيلية،ص 333.
7-                   بيان نويهض الحوت. فلسطين التاريخ السياسي من عهد الكنعانيين حتى القرن العشرين .الطبعة الأولى .دار الإستقلال للدراسات و النشر ، بيروت ، 1991.ص 185.
8-                   المرجع نفسه، ص 188.
9-                   إحسان أوغلي و آخرون،مرجع سابق،ص 136.
10-               المرجع نفسه ، 137.
11-               محمود ثابت ، مرجع سابق ،ص 172.
12-               محمد علي قطب .يهود الدونمة في تركيا .الدار الثقافية للنشر ، بدون مكان و سنة النشر .ص 50،51
13-               إحسان أوغلي و آخرون،مرجع سابق ،ص 138.
14-               عبد الله حمدان ،مرجع سابق ، ص 155.
15-               محمود ثابت ،مرجع سابق ،ص 175.
16-               إحسان أوغلي ،مرجع سابق ، ص 142.
17-               أحمد سعد الدين طربين .فلسطين تاريخها و قضيتها .مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،1993.ص 32.
18-               عمر الصالح البرغوثي . خليل طوطح.تاريخ فلسطين .مكتبة الثقافة الدينية ،بورسعيد،2001.ص 255
19-               بيان نويهض الحوت ، مرجع سابق ، ص 215.
20-               أمين سعيد .الثورة العربية الكبرى .المجلد الأول .مكتبة مدبولي ، القاهرة ، بدون س ن .ص 255.
21-               المرجع نفسه ، ص 257.
22-               أحمد سعد الدين طربين .المرجع السابق ، ص 35.
23-               لوكاز هيرزوير.ألمانيا الهتلرية و المشرق العربي .ترجمة أحمد عبدالرحيم مصطفى .دار المعارف بمصر ،بدون سنة النشر،ص 47.
24-               أحمد طربين ،مرجع سابق ، ص 37.
25-               مصطفى الزين  .ذئب الأناضول .الطبعة الأولى .مؤسسة الريس للكتب و النشر،قبرص ،1991 ص 21.
26-               محمد محمد توفيق .كمال أتاتورك .دار الهلال بمصر ،1936. ص 12.
  * - يقصد بذلك وصفه بالكمال لتفوقه و إنضباطه.
27-               أنظر:تركيا السيف و الهلال ص 30. أنظر أيضا كمال أتاتورك ص 17،ذئب الأناضول ص 33.
28-               حسن ياسر أحمد .تركيا البحث عن مستقبل .الهيئة العامة المصرية للكتاب ،القاهرة ،2006.
                 ص 34.
    29- أنظر :ذئب الأناضول ص 50،كمال أتاتورك ص 19.
   30- حسن ياسر أحمد ، المرجع السابق،ص 35.
   31- أنظر :رضا هلال ،السيف و الهلال ص 49.
   32- المرجع نفسه ، ص 50.
  33- نفسه ص 52.
  34- أنظر :ذئب الأناضول 65.
  35- حسن ياسر .مرجع سابق ،ص 37.
  36- أنظر : السيف و الهلال ص 61.
  37- نفسه ص 68.
  38- أنظر:ذئب الأناضول ص 257.
  39- أنظر:السيف و الهلال ص 75.
40 -إحسان أوغلي و آخرون .مرجع سابق ،ص 162.
41- أحمد طربين ، مرجع سابق ، ص 58.
42 - إحسان أوغلي و آخرون .مرجع سابق ،ص ص 164-165.

و آخرون .مرجع سابق ،ص ص 164-165.

الرابط:

http://www.fustat.com/C_hist/kadouri_7_12.shtml

قراءة 2303 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 08 تموز/يوليو 2015 19:15

أضف تعليق


كود امني
تحديث