قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 30 تموز/يوليو 2014 07:58

المسجد المحزون

كتبه  الدكتور حيدر الغدير
قيم الموضوع
(1 تصويت)

لشوقي قصيدة رائعة قالها يوم زار سورية، و احتفى به أهلها احتفاء يليق به، خاصة أن شهرته يومها كانت قد ملأت الآفاق، مطلعها:

قم ناج جلق و انشد رسم من بانوا 

مشت على الرسم أحداث و أزمان 

و قد وصف فيها دمشق وصفاً بديعاً، و صور غوطتها الخضراء، و بردى الذي يصفق لزوارها، و تذكر كيف كانت العاصمة الثانية للإسلام، و تذكر كيف جعلها بنو أمية منطلقاً للفتوحات التي شرقت و غربت مقرونة بالظفر و العدل، و بلغ التوفيق عند الشاعر الكبير ذروته حين قال في المسجد الأموي الذي يعد من أعظم مساجد الإسلام:

مررت بالمسجد المحزون أسأله 

هل في المصلى أو المحراب مروان 

تغير المسجد المحزون و اختلفت 

على المنابر أحرار و عبدان 

فلا الأذان أذان في منارته 

إذا تعالى و لا الآذان آذان 

و هي أبيات غالية عالية، معنى و صورة و موسيقى و لغة، و أجمل ما فيها أنها تضعك أمام التناقض الحاد بين أمس رائع غالب و حاضر يائس مغلوب، و أنها جعلت من المسجد العريق رمزاً لهذا التناقض، فبالأمس كان الخليفة في دمشق السيد المطاع و الفاتح المظفر، و كان المسجد العريق موئلاً للعلم و الشموخ، و كان الأذان يعلو فيه ليعلن هوية الأمة إعلاناً يقترن بالغلبة و العزة، أما اليوم فدمشق في أسر الغاصب الفرنسي، و أما بنو أمية فخبر في زوايا الكتب و النسيان، و أما الأذان، فإنه يعلو مختلفاً عما كان عليه بالأمس، الأذان غير الأذان، و الآذان غير الآذان، و الخطباء غير الخطباء. هل لي أن أقول: إن هذه الأبيات الثلاثة تعدل قصيدة كاملة؟

لقد صدقت أبيات شوقي على مسجد دمشق، لكنها أكثر صدقاً على المسجد الأموي العظيم في قرطبة، فمأساة المسجد القرطبي أكبر و أحزانه أشد و المصير الذي انتهى إليه أفجع. و إذن فلا غرابة أن أسميه "المسجد المحزون" تقليداً لشوقي.

بدأ أمر المسجد في قرطبة مع الأمير الأموي الداهية الشجاع المرزأ عبد الرحمن الداخل، الذي فر من سيوف بني العباس في مغامرة طويلة ملأى بالصبر و الحذر و الشجاعة، حتى وصل الأندلس فقاتل فيها حتى خلصت له، و أعاد الدولة الأموية فيها غالبة ظافرة، و وطد قواعدها و أرسى نظمها و أحكم بنيانها، حتى فرض الإعجاب به حتى على خصومه و منهم أبو جعفر المنصور الذي لقبه من فرط إعجابه به "صقر قريش"[1].

أصبح مسجد قرطبة رمز الدولة الأموية في الأندلس، تتم فيه البيعة، و تعقد الألوية، و تقام الصلوات، و تلقى الخطب، و تستقبل الوفود، و تنشد الأشعار، و تعلو فيه أصوات المؤذنين و المدرسين و القارئين. و إتسع المسجد مع الزمن مادة و معنى، مادة بالتوسع العمراني حتى صار من أعاجيب الأبنية و لا يزال، و معنى بالعبادة و العلم و الدعوة حتى صار جامعة حقيقية لها فضلها المقرر حتى على أوربا.

و مرت الأيام و سرى الوهن في المسلمين، اعتراهم الترف و ضعف الدين، و انقسم الناس، فكان لا بد أن يدفعوا الثمن خاصة حين سقطت الخلافة الأموية، و قامت ممالك كثيرة عليها أمراء قادرون أو عاجزون و ذلك في الحقبة الحزينة التي سماها التاريخ "ملوك الطوائف"، وكبرت المصيبة حين فشت العداوات بين هذه الممالك، و صارت أفدح حين كان بعضها يستعين على بعضها الآخر بالعدو الإسباني الذي راح يلتهم البلاد قطعة قطعة، فسقطت قرطبة و هي جوهرة الدولة الإسلامية في الأندلس و حاضرتها الكبرى فيما سقط، و الأمر لله من قبل و من بعد.

و مع السقوط بدأت مأساة مسجدها المحزون، سكت الخطيب و غاب الأذان و انفض المصلون، ثم ازدادت الأمور سوءاً حين حوّلت بعض أبهاء المسجد المحزون إلى كنيسة و مصليات، شوهت جلاله الديني و جماله المعماري، و تبدو هذه الكنيسة و المصليات التابعة لها نشازاً في هذا الصرح المتفرد المتميز، تقتحم العين و تؤذي الوجدان.

تتجول في المسجد فيأخذك الشعور بالجلال و الهيبة خلافاً للحمراء التي يأخذك فيها الشعور بالجمال و المتعة، لا تزال جدرانه قوية، و سقوفه متينة، و أعمدته صامدة، و تنتقل من بهو إلى آخر، و تمر بعمود إثر عمود، و تخلو إلى نفسك فتكاد تسمع صوت قارئ أو مصل أو مدرس، و تكاد تلمس عبرة مذنب تائب و نجوى زاهد تقي.

صعدت إلى مئذنة المسجد، و وقفت في أعلاها قرب ناقوس كبير، أنظر إلى قرطبة من ارتفاع يتيح لي الرؤية المتسعة في يوم مشمس. و كنت أمعن النظر في الأحياء المجاورة للمسجد، و هي بطريقة بنائها و أزقتها و أفنية بيوتها و ما في هذه الأفنية من عرائش و متسلقات و شجيرات و زهور، تشعرك أنها هي هي كما كانت أيام المسلمين خلافاً للأحياء الجديدة التي تبنى وفق الأسلوب الأوربي الشائع. تذكرت كم مر بهذه الأزقة من مسلمين، و كم تليت في بيوتها من آيات، و كم صلى المصلون، و صام الصائمون، فأدركتني حسرة لا حد لها، و تنامى في شعور طاغ بالأحزان، ثم وقع في خاطري أن هذه المئذنة العزيزة قد اشتاقت إلى الأذان الذي لم تسمعه منذ قرون، فحققت لها رغبتها فأذنت و في عيني دموع حرّى.

استوقفني في المسجد أن جهة القبلة لم يمسسها أحد قط، النقوش كما هي، و المحراب كما هو، و استوقفني أن الزوار يتأملون فيه كثيراً ففعلت مثلهم. حينها استولى علي شعور غريب، و تداعت إلى خيالي صور كثيرة، خطيب ذو بيان و فصاحة، و عالم فحل متمكن، و قارئ ذو صوت رخيم، و وفود تأتي خاضعة أو طائعة أو طامعة، و خليفة غالب منتصر. أعلام الإسلام عالية، و جيوشه ظافرة، و مجده باذخ، و سفراؤه موضع الإكبار و الإجلال.

صحوت من هذه السنة العجلى لأجد نفسي أمام الحقائق العارية الحزينة، و نظرت فإذا بسلسلة وضعت أمام المحراب حتى لا يقترب منه الزائرون و هم من شتى البلدان و الأديان، كنت يومها ألبس الثوب العربي الأبيض خلافاً لعادتي في السفر لأن قرطبة حارة في الصيف، فكان منظري غريباً، ثم ازدادت غرابته حين اقتربت من السلسلة فأخذت أؤذن، وح ين غضب الحارس الإسباني الذي يحمي المحراب انتصرت لي - لتكتمل المفارقة - شابة إسبانية متكشفة، و قالت للحارس كما فهمت فيما بعد: نحن بلد حر فدعه يغنّي كما يشاء. تنامت فيّ أشواق التاريخ و الحزن و الذكرى فوجدتني أتخطى السلسلة و أنا مسلوب الإرادة، و كأن أحداً يأمرني فأستجيب له، ثم أقف في المحراب أصلي على أرضه الرخامية العارية ركعتين، أحيي فيها المسجد، و أنا فرح إلى درجة الحزن، و حزين إلى درجة الفرح، و فيّ عواطف متآلفة و متضادة.

أخذ الزائرون بمنظري، ثوباً و قياماً و ركوعاً و سجوداً، فأخذوا يسارعون بالتقاط الصور التذكارية، و لعلهم ينظرون إليها فيما بعد، و يعرضونها على ذويهم قائلين: انظروا إلى ما كان يفعله هذا المجنون.

حينما خلوت إلى نفسي بعد حين، عجبت لما فعلت، بل سررت به، فربما لم يشهد المحراب أحداً سجد فيه منذ زمن طويل.

                   

[1] الدولة الأموية من أعاجيب الدول، وهي - بما لها وما عليها - أعظم دول الإسلام بعد دولة الخلفاء الراشدين، والإلحاح على نقدها بحق و بباطل، و بداعٍ و بدون داعٍ، مع السكوت عن إنجازاتها الباهرة، أمر شائن يدل على جهل صاحبه، أو باطنيته، أو شعوبيته، أو على ذلك جميعاً. إنها أقل من الدولة الراشدية بكثير، لكنها أعظم من الدول التالية لها بكثير، و حسبها شرفاً و مجداً أنها - و هي التي عاشت أقل من قرن - أوصلت الإسلام إلى الصين شرقاً، و إلى الأندلس غرباً، و حين سقطت في الشرق أعاد مجدها في الغرب ابنها العبقري الداهية الجبار صقر قريش، فارتقت إسبانيا على يديه و أيدي خلفائه من بعده رقياً عظيماً.

الرابط:

http://www.odabasham.net/show.php?sid=65379

 

قراءة 3198 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 08 تموز/يوليو 2015 19:11

أضف تعليق


كود امني
تحديث