قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 29 تشرين1/أكتوير 2014 08:08

الهجرة من الدعوة إلى الدولة

كتبه  الأستاذ أحمد عبد الحافظ
قيم الموضوع
(0 أصوات)

قديمًا قال أزدشير لابنه: "يا بني إن الملك و الدين أخوان لا غنى لأحدهما عن الآخر، فالدين أس و الملك حارس، و من لم يكن له أس فمهدوم، و من لم يكن له حارس فضائع". و قال كعب: "مثل الإسلام و السلطان و الناس مثل الفسطاط و العمود و الأطناب و الأوتاد، فالفسطاط الإسلام و العمود السلطان، و الأطناب و الأوتاد الناس، لا يصلح بعضها إلا ببعض". و قال بعضهم: "السُّلْطَان يدافع عَن سَواد الْأمة ببياض الدعْوَة".

ضرورة قيام الدولة
من هنا أدرك رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه لابد من كيان سياسي يحفظ الدعوة و ينشرها، و كما قال
ابن تيمية: "قِوَامُ الدِّينِ بِكِتَابِ يَهْدِي وَ سَيْفٍ يَنْصُرُ".

لهذا كله عاش النبي صلى الله عليه و سلم حلم الدولة الإسلامية، و جعل صلى الله عليه و سلم يهيئ أصحابه لتحمل تبعات تلك الدولة و مقوماتها، و يبشرهم أن حالة الاستضعاف التي هم فيها لن تدوم و أن الغاية التي يسعون إليها –إقامة الدولة- ستتحقق قريبًا، كما ورد في صحيح البخاري عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَ هُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: "أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا". قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَ مَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَ يُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَ مَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَ اللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَ لَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".

و لأهمية تلك الغاية الكبرى جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يبحث عن المراكز الداعمة لبناء الدولة الإسلامية الوليدة، فكانت هجرة الحبشة الأولى و الثانية حماية للمسلمين من بطش قريش و حفاظًا على الدعوة من الفناء فأرض الله واسعة، ثم تطورت فكرة الدولة في ذهن رسول الله صلى الله عليه و سلم و وضحت معالمها و مقوماتها و رُسمت إستراتيجية الحركة السياسية الإسلامية، و اختار رسول الله صلى الله عليه و سلم أول خطوات بناء الدولة: طلب الحماية و النصرة للدعوة و المسلمين من قريش، فعرض النبي صلى الله عليه و سلم نفسه على القبائل في أسواق العرب و أماكنهم و وفودهم، و جعل يقول: "من رجل يحملني إلى قومه فيمنعني حتى أبلغ رسالة ربي، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي؟!" و أبو لهب وراءه يقول للناس: "لا تسمعوا منه، فإنه كذاب".

إنها دعوة صريحة بطلب الحماية من القبائل العربية لتبليغ دعوة الله عز و جل، و يفهم من هذه الدعوة أنه ليس من الضروري أن تسلم القبيلة، إنما المطلوب أن تؤمن الحماية اللازمة له لتبليغ دعوة الله عز و جل.

و كان أن عرض نفسه على بني شيبان، فقال أحدهم -و هو مفروق بن عمرو: إلام تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: "أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أني رسول الله، و إلى أن تؤووني و تنصروني، فإن قريشا قد تظاهرت على أمر الله و كذبت رسوله، و استغنت بالباطل عن الحق. و الله هو الغني الحميد".

ثم تكلم هانئ بن قيبصة، فقال: "قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، و إني أرى أن تركنا ديننا و اتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول و لا آخر لوهن في الرأي و قلة نظر في العاقبة، و إنما تكون الزلة مع العجلة، و من ورائنا قوم نكره أن نعقد عليه عقدا و لكن ترجع و نرجع و تنظر و ننظر".

و كأنه أحب أن يشرك في الكلام المثنى بن حارثة فقال: و هذا المثنى بن حارثة شيخنا و صاحب حربنا، فقال المثنى: "قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، و الجواب هو جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا و اتباعنا إياك في مجلس جلسته إلينا ليس له أول و لا آخر، و إنا إنما نزلنا بين صريان: اليمامة و السماوة.

فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "و ما هذان الصريان؟" فقال: "أنهار كسرى و مياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور، و عذره غير مقبول، و أما ما كان من مياه العرب فذنبه مغفور، و عذره مقبول، و إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى، لا نحدث حدثا و لا نؤوي محدثا، و إني أرى أن هذا الأمر مما تكرهه الملوك، فإن أحببت أن نؤويك و ننصرك مما يلي مياه العرب فعلناه". فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق، فإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم و ديارهم و يفرشكم نساءهم أتسبحون الله و تقدسونه؟" فقال النعمان بن شريك: اللهم لك ذلك، فتلا رسول الله صلى الله عليه و سلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَ مُبَشِّرًا وَ نَذِيرًا (45) وَ دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب:45-46].

بيعة العقبة الأولى
و مع أن مفاوضات النبي صلى الله عليه و سلم مع القبائل و الوفود و تكوين التحالفات لم تنجح، إلا أن آمال إقامة دولة الإسلام في الأرض ما زالت قائمة، حيث عرض رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه على ستة شباب من الخزرج في العقبة، فواعدوه سنة حتى يكمل اجتماع أهل يثرب، بعد أن فرَّقهم و شتَّت شملهم النزاع في حرب بعاث، و انتظر رسول الله صلى الله عليه و سلم عاما كاملا على الموعد الذي تم بينه و بين النفر الستة من الخزرج، و تم لقاء جديد في العقبة أطلق عليه فيما بعد -
بيعة العقبة الأولى، و هو كما رواه ابن إسحاق: "حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا، فلقوه بالعقبة، و هي العقبة الأولى، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم على بيعة النساء، و ذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب".

و هنا عدة ملاحظات:
1- توجه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلي البناء الداخلي في
المدينة، و إلى بث الفكرة في صفوفها، فكما يقول ابن إسحاق: "فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و دعوهم إلى الإسلام حتى فشى فيهم، فلم تبق دار من دور الأنصار إلا و فيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه و سلم".

2- حضر بيعة العقبة الأولى سبعة جدد فيهم اثنان من الأوس، و هذا يعني أنهم وفوا بالتزاماتهم التي قطعوها على أنفسهم في محاولة رأب الصدع، و توجيه التيار لدخول الإسلام في المدينة أوسها و خزرجها و تجاوز الصراعات القبلية القائمة.

3- و كان التطور الجديد الذي أثمرته بيعة العقبة بعث مصعب بن عمير ممثلا شخصيا للرسول صلى الله عليه و سلم إلي المدينة، يشرف على تطور الموقف، و يفقه المسلمين بهذا الدين الجديد، و كل هذا ضمن النشاط الفكري و السياسي، و الاتجاه للتعبئة و تكوين الأنصار المعتنقين لهذه العقيدة.

4- و استطاع الدبلوماسي الإسلامي الأول في المدينة بحكمته و حصافته و ذكائه السياسي أن يجر أكبر قيادات الأوس للإسلام، أسيد بن حضير و سعد بن معاذ، خلال العام الجديد، و لم يبق في بني عبد الأشهل- بطن كبير من الأوس- رجل و لا امرأة و لا طفل إلا و دخل في الإسلام.
لقد أصبح التيار عارما، و الاتجاه معبأ لقيام الدولة الإسلامية في المدينة -إذا صح التعبير، و أصبحت مهمة القيادة تنظيم هذه الطاقات كلها لصالح المعركة.

5- و هذا ما خطط له رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد أن بذل كل ما يملك من جهد لتعبئة الطاقات الإسلامية في المدينة. و لم يكن هناك أدنى تقصير في الجهد البشري الممكن في بناء القاعدة الصلبة التي تقوم على أكتافها الدولة الجديدة و احتمل هذا الجهد سنتين كاملتين من الدعوة و التنظيم. و تفرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم و انصب جهده عليه، تاركا -لفترة مؤقتة- الانشغال في الجهود السياسية الخارجية موجها كل طاقاته عليه الصلاة و السلام لبناء الصف الداخلي الواحد المتراص. من قوم كان بينهم قبل أقل من عام دماء و ثارات.

6- و تمت التعبئة الكاملة، حين شعرت القاعدة الصلبة أنه قد آن الأوان لقيام الدولة الجديدة، و كما يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه و هو يمثل هذه الصورة الرفيعة الرائعة: "حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف و يطرد في جبال مكة و يخاف؟". لقد أصبحت النفوس جاهزة للانطلاق، و تنتظر إشعال الفتيل للحرب ضد الجاهلية المستحكمة.

7- وصل مصعب رضي الله عنه إلى مكة قبيل الموسم الثالث عشر للبعثة، و نقل الصورة الكاملة التي انتهت إليها أوضاع شباب الإسلام هناك، و القدرات و الإمكانات المتاحة، و كيف تغلغل الإسلام في جميع قطاعات الأوس و الخزرج، و أن القوم جاهزون لبيعة جديدة قادرة على حماية رسول الله صلى الله عليه و سلم و منعته.

8- كان اللقاء الذي غير مجرى التاريخ في موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من البعثة، حيث حضر لأداء مناسك الحج بضع و سبعون نفسا من المسلمين من أهل يثرب، فلما قدموا مكة جرت بينهم و بين النبي صلى الله عليه و سلم اتصالات سرية أدت إلي اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا في أوسط أيام التشريق في الشعب الذي عند العقبة حيث الجمرة الأولى من منى، و أن يتم هذا الاجتماع في سرية تامة في ظلام الليل.

بيعة العقبة الثانية و مباحثات قيام الدولة
جاء موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من النبوة يحمل الخير كله. خرج وفد يثرب للحج، و كان الوفد مكونًا من ثلاثمائة حاج، منهم خمسة و سبعون من المسلمين (ثلاثة و سبعون رجلاً و امرأتان). و بعد أن أمَّن رسول الله صلى الله عليه و سلم اللقاء بينه و بين الأنصار، تم اللقاء المهيب في هذه البقعة المباركة من أرض مكة، و الذي كان من نتائجه أن تغيرت خريطة العالم بعد ذلك و قامت للإسلام دولة، و سقطت عروش عظيمة كعرشي كسرى و قيصر، و استقر دين الإسلام في الأرض.

تكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم، و تلا القرآن، و دعا إلى الله، و رغب في الإسلام ثم قال: "أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم و أبناءكم"، فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: و الذي بعثك بالحق نبيا لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا (نساءنا) فبايعنا يا رسول الله فنحن و الله أبناء الحرب، و أبناء الحلقة (السلاح)، ورثناها كابرا عن كابر. فاعترض القول -و البراء يُكَلِّمُ رسول الله صلى الله عليه و سلم- أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا و بين الرجال حبالا، و إنا قاطعوها -يعني اليهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك و تدعنا؟ قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم، ثم قال: "بل الدم الدم و الهدم الهدم أنا منكم و أنتم مني أحارب من حاربتم و أسالم من سالمتم".

و روى الإمام أحمد في مسنده و البيهقي في السنن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: فَرَحَلَ إِلَيْهِ مِنَّا سَبْعُونَ رَجُلاً حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ في الْمَوْسِمِ فَوَعَدْنَاهُ شِعْبَ الْعَقَبَةِ فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ حَتَّى تَوَافَيْنَا فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: "تُبَايِعُونِى عَلَى السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ في النَّشَاطِ وَ الْكَسَلِ، و النَّفَقَةِ في الْعُسْرِ وَ الْيُسْرِ، وَ عَلَى الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْىِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ أَنْ تَقُولُوا في اللَّهِ لاَ تَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَ عَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ، وَ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَ أَزْوَاجَكُمْ وَ أَبْنَاءَكُمْ. وَ لَكُمُ الْجَنَّةُ". 

يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فَقُمْنَا نُبَايِعُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَ هُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ، فَقَالَ: رُوَيْدًا، يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ إِلَّا وَ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، إِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَ قَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَ أَنْ تَعَضَّكُمْ السُّيُوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى السُّيُوفِ إِذَا مَسَّتْكُمْ، وَ عَلَى قَتْلِ خِيَارِكُمْ، وَ عَلَى مُفَارَقَةِ الْعَرَبِ كَافَّةً، فَخُذُوهُ وَ أَجْرُكُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ إِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً، فَذَرُوهُ فَهُوَ أَعْذَرُ عِنْدَ اللَّهِ. 

قَالُوا: يَا أَسْعَدُ بْنَ زُرَارَةَ، أَمِطْ عَنَّا يَدَكَ، فَوَاللَّهِ لَا نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ، وَ لَا نَسْتَقِيلُهَا. فَقُمْنَا إِلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِشُرْطَةِ الْعَبَّاسِ، وَ يُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ.

ثم كانت مرحلة تشكيل الحكومة الإسلامية بالانتخاب، فبعد أن تمتبيعة العقبة الثانية طلب رسول الله صلى الله عليه و سلم انتخاب اثنى عشر زعيما يكونون نقباء على قومهم، يكفلون المسؤولية عليهم في تنفيذ بنود هذه البيعة، إذ إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لن يستطيع أن يبايع كل أفراد الأمة المسلمة على ذلك، فلا بد من انتخاب قيادة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذه القواعد. و تم الأمر بانتخاب تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس. و بعد هذا الانتخاب الحر عقد رسول الله صلى الله عليه و سلم اجتماعًا مهمًّا على مستوى القمة مع هؤلاء النواب، و أخذ عليهم النبي صلى الله عليه و سلم ميثاقا آخر بصفتهم رؤساء مسؤولين، و قال لهم: "أَنْتُمْ عَلَى قَوْمِكُمْ بِمَا فِيهِمْ كُفَلاءُ كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى بِنْ مَرْيَمَ، وَ أَنَا كَفِيلٌ عَلَى قَوْمِي". يعني المسلمين من أهل مكة. فقالوا: نعم.

من هنا تكونت ملامح الحكومة الشرعية الأولى للمدينة المنورة، قائد الحكومة هو رسول الله صلى الله عليه و سلم، و دستور الحكومة هو الكتاب و السنة، و جند الحكومة هم الأنصار و المهاجرون، عما قليل سيصبح للإسلام دولة !!

الهجرة ميلاد الدولة الإسلامية
قال ابن إسحاق: "فلما أذن الله تعالى له صلى الله عليه و سلم في الحرب، و بايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام و النصرة له و لمن تبعه و آوى إليه من المسلمين، أمر رسول الله أصحابه من المهاجرين من قومه، و من معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة و 
الهجرة إليها، و اللحوق بإخوانهم من الأنصار، و قال: "إن الله عز و جل قد جعل لكم إخوانا و دارا تأمنون فيها". فخرجوا أرسالًا و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة، و الهجرة إلى المدينة".

إن الهجرة النبوية أهم حدث في تاريخ الدعوة الإسلامية، فبالهجرة ولدت دولة الإسلام على أرض المدينة المنورة، و في الهجرة ظهرت عبقرية التخطيط البشري من رسول الله صلى الله عليه و سلم، معتمدًا فيها على ربه متوكلًا فيها على مولاه عز و جل، حتى نجحت الخطة و وصل القائد الأعلى إلى مقر قيادته في المدينة.

و تجدر الإشارة أن محاولة بناء الدولة الإسلامية لم يقابل بالترحيب أو السكوت من أعداء الدين، بل عملوا كل ما في استطاعتهم لإجهاض هذا الحلم، و اجتمعوا في دار الندوة، و انتهت كلمتهم بقتل النبي صلى الله عليه و سلم إلا أن الله تعالى نجَّاه و عصمه، و قد كانت الهجرة النموذج الأرقى للتضحية و دفع الثمن من أجل أن يصل المسلمون ما ينشدون، حيث كان يضحون بأموالهم و بيوتهم و بلدهم و أهلهم، مثلما كان من أمر أبي بكر الصديق وآل أبي سلمة و صهيب الرومي و أسماء بنت أبي بكر و علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، فهذه نماذج من التضحيات ليعلم المسلمون كيف قامت دولة الإسلام الأولى و ما الثمن الذي دفعه الصحابة في سبيل إقامتها.

و ها هو رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أصحابه من المهاجرين و الأنصار يحفون بهم، و يفدونه بآبائهم و أمهاتهم، و يضعون دماءهم و أموالهم تحت تصرفه، و قامت دولة الإسلام الأولى في الأرض تحف بها ملائكة السماء، بعد جهاد ضار مضني استمر ثلاثة عشر عاما كاملة، و كانت الخطوة الأولى في هذه المرحلة هي بناء المسجد الذي سيكون مركز انطلاقة لهذه الدولة، و دار الحكم فيها، و مقر قيادة الجيش، و محضن التربية الأول و دار القضاء العالي.

ثم كان الأساس الثاني الذي أشرف عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه في المدينة، و هو المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار، و ضرب الأنصار المثل الرائع و القدوة العملية في معاني الأخوة و التآخي و الوحدة و الإيثار.

و قد ذكر أصحاب المغازي أن المؤاخاة بين الصحابة وقعت مرتين: الأولى قبل الهجرة بين المهاجرين خاصة على المواساة و المناصرة، فكان من ذلك إخوة زيد بن حارثة و حمزة بن عبد المطلب، ثم آخى النبي صلى الله عليه و سلم بين المهاجرين و الأنصار بعد أن هاجر، و ذلك بعد قدومه المدينة.

ثم كان الأساس الثالث (وثيقة المدينة)، حيث وُضع الدستور الإسلامي بين المسلمين و غيرهم، و هو أول دستور منصف عرفته البشرية، فقد كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابًا بين المهاجرين و الأنصار وَادَع فيه يهود و عاهدهم و أقرهم على دينهم و أموالهم، و شرط لهم و اشترط عليهم.

و بعد:
فالهجرة النبوية كانت فيصلًا بين مرحلتين، مرحلة العصبة المؤمنة، و مرحلة الدولة الموحدة، أقام المسلمون بعدها دولة بنت حضارة إنسانية عريقة قوامها الأخلاق و عمادها الإنسان، و لن تقوم للإسلام دولة إلا إذا قامت على ما قامت عليه الهجرة.


المصادر والمراجع:
- ابن هشام: السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا و إبراهيم الأبياري و عبد الحفيظ الشلبي، الناشر: شركة مكتبة و مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده بمصر، الطبعة: الثانية، 1375هـ - 1955م.
- أبو بكر الطرطوشي: سراج الملوك، الناشر: من أوائل المطبوعات العربية – مصر، تاريخ النشر: 1289هـ - 1872م.
- ابن كثير: السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، الناشر: دار المعرفة للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان، عام النشر: 1395 هـ - 1976م.
- المقريزي: إمتاع الأسماع، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 1999م.
- منير الغضبان: المنهج الحركي للسيرة النبوية، الناشر: مكتبة المنار – الزرقاء – الأردن، الطبعة: السادسة، 1411 هـ - 1990م.
- منير الغضبان: التحالف السياسي في الإسلام، الناشر: مكتبة المنار – الزرقاء – الأردن، الطبعة: الأولى، 1402هـ - 1982م. 

http://islamstory.com/ar/

قراءة 2489 مرات آخر تعديل على الخميس, 09 تموز/يوليو 2015 09:09

أضف تعليق


كود امني
تحديث