قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الجمعة, 28 آذار/مارس 2014 14:12

التاريخ والغائية الحتمية

كتبه  الدكتور عبد الحليم عويس رحمه الله
قيم الموضوع
(0 أصوات)
 

تاريخ البشرية ماضٍ وحاضرٌ واستشرافٌ للمستقل، والتخوم الفاصلة بين هذه الأدوار تكاد تكون ذائبة، والماضي يعيش فينا ولا نستطيع إنكاره، والمستقبل فينا كالماضي سواءً بسواء، إنها أضلاع الزمان الثلاث التي لا تنفصل.

وعندما يتم الضغط على الماضي وحده، تُصاب الأمة بمرض الغياب التاريخي، كما أن الضغط على الحاضر - دون وعي بالماضي والمستقبل - غياب عن الذات، ومغامرة بالحضارة كلها في رحلة ضياع لسفينة بَعُدت عن معالمها الثابتة!

♦ ♦ 

كل الأحجار في التاريخ شواهد ناطقة تحكي قصة قوم كانوا هنا وصنعوا شيئًا، ولم توجد بعدُ أحجار صامتة، ومن العبَث أن نُحاول إخراس أصوات الماضي التي تخاطب عقولنا ووعْينا التاريخي الفطري الذي يقول لنا: إننا جنس خاص، إنسان تاريخي، كائن يموت أفراده، وتموت بعض شرائحه، لكنه باقٍ إلى اللحظة الحاسمة القارعة!

♦ ♦ 

في أحقاب متفاوتة من التاريخ الإنساني وضَعت العناية الإلهية شارات ثابتة تأخذ بيد كلِّ حضارة تريد الإقلاع من جديد نحو الإنسانية النقيَّة.

قدَّم لنا أبونا آدمُ أوَّل شارة حين أخطأ وتابَ، فإدراك الخطيئة والإقلاع عنها خاصة إنسانية متفرِّدة.

وقدَّم هابيل الشارة الثانية حين رفَض أن يكون القاتل، ورَضِي أن يكون المقتول في سبيل المبدأ.

وقدَّم كلُّ نبيٍّ شارة أخرى هي خلاصة حياته ودعوته.

إن هذه الشارات التي بدأت بآدمَ ثم نوح، وإبراهيم، وانتهت بمحمد - عليهم السلام - هي معالم الهدى في التاريخ، وكلها ذات جوهر واحدٍ: ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ﴾ [نوح: 3]، والخلاف بينها في التفاصيل الملائمة لتطوُّر وعي الإنسان في التاريخ.

والانحراف في تاريخ الإنسانية جاء من ابتعادها عن هؤلاء الهُداة العظماء، إنها اصطرعت بعيدًا عنهم، وتصارَعت باسمهم بعيدًا عنهم، وتصارَعت باسمهم بعيدًا عن الحوار الباحث عن الحق، ودفعت أجيالاً كاملة لرفضهم، واخترَعت النظريات ضدهم.

ولن يعود التاريخ إنسانيًّا إلا إذا انصهَر العقل في بَوتقتهم؛ ليكون عقل إنسانٍ، لا عقلَ شيطانٍ!

أجَل، إن في تيار التاريخ تصاميمَ سابقة وثابتة، لكنها لا تَحول - ولَم تَحُلْ - دون الإبداع؛ إنها معالم فقط؛ حتى لا تَتيه الإنسانية في الصحراء!

في نهر التاريخ يتدفق الماضي موصولاً بالحاضر والمستقبل، وتَظهر القداسة في بعض العصور كما تظهر النجوم العالية التي يسترشد بها الملاحُون في الليالي الطويلة المظلمة، فليست البشرية بمجموعها مقدَّسة، كما أن هذه الإنسانية ليست مجموعة حيوانات مفترسة، إنها هذا وذاك، إنها أصلاً "في أحسن تقويم"، لكنها في أكثر مراحل التاريخ في "أسفل سافلين"، وستتبادل البشرية هذه الأدوار المتعاقبة إلى يوم القيامة.

وعندما يتآمر بعض المنسوبين إلى الإنسانية، فيحاول تحطيم فترات القداسة والمثال، فإنهم يسعون - بوعي أو بغير وعي - لقيادة الإنسانية إلى نسبية كاملة، وإلى ليلٍ طويل مُعتم، لا نجوم فيه! وستَغرق السفينة لا مَحالة؛ فالعقل والبصر لا يُغنيان عن إشارات البصيرة الثابتة، وكواكب الحقيقة!

♦ ♦ 

كانت البشرية لا شيء، عدمًا لا ذِكر له، أحيَتها العناية الإلهية، وسوف تُميتها بعد سلسلة حضارات متصارعة، ثم تُحييها ليوم الحساب الأخير، فهكذا كانت لها بداية، وكان لها سياق وجود حيٍّ هو: هذا التاريخ وهذه الحضارات، ثم سيكون لها رجعة إلى الله للحساب النهائي!

لا استمرار أبَدي، بل هي رحلة مغلقة، لها بداية ونهاية، بطلُها الإنسانية، ولن تكون هذه الرحلة عبثًا باطلاً.

فالعناية الإلهية لا تُخلَق للهو ولا للعب، وحاشاها؛ إنها أعظم من أن تجعلنا دُمًى، أو قِطَعَ شِطرنج.

إن لنا وجودًا بقدر مسؤوليتنا، إننا مكلفون بمهمة خالدة؛ ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ.... ﴾ [الأنبياء: 16 - 18]، والحق "رسالة الأنبياء" حُداة القافلة الإنسانية وهُداتها.

وفي النهاية تنتهي فصول الكتاب والملحمة؛ ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 104].

فالغاية الإنسانية محتومة، والمصير محكوم بأعمال الناس، وبفاعلية الإنسان الإيجابية الصالحة في التاريخ؛ ﴿ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِه ﴾ [الأنبياء: 94]، لكن إذا انتهت دورة تاريخية وأُغلِق الستار، فمُحال أن يعود أصحابها قبل يوم البعث؛ ﴿ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [الأنبياء: 95].

إنهم مسؤولون، لقد كانوا أحرارًا، وكانت لديهم شارات الطريق وشروط الصلاحية، ومُؤهلات البقاء، لكنهم صدَفوا عن كل ذلك، واعتمدوا على أبصارهم المحدودة، وعقولهم المُكبَّلة بإطار وعي الزمان والمكان، وخِبرة الجيل الواحد؛ فاستحقُّوا الموت.

لقد استمرَؤوا أن يكونوا مستهلكين في التاريخ، مجرد موضوع من موضوعاته، ولم يرتفعوا إلى مستوى خلافة الله في صناعته، وتسخير كونه، لقد عاشوا في دائرة الذات والمطالب الجسدية، ولم يهتموا بالمطالب الروحية، ولا بغايات الوجود.

♦ ♦ 

نعم، إن نهر الزمان متدفِّق موصول، لا تكاد تنفصل فيه لحظات الماضي عن لحظات الحاضر عن المستقبل، لكنَّ ذلك لا يعني أن الزمان لا يمكن تقسيمه إلى ماضٍ وحاضر ومستقبل، وأن هذا التقسيم له وجود في الواقع، وهو وجود شعور ووعي وحياة، والغاية داخلية وخارجية معًا، فكل كائن حي له غاية خاصة به، تتعاون جميع أجزائه من أجل تحقيقها، إنها غايته الداخلية التي تنسجم مع الغاية الخارجية، التي تربط كل غاية داخلية بالغاية الخارجية العامة، وهي تحريك أجزاء الكائنات نحو مصير واحدٍ، يتم فيه الوصول إلى يوم السعادة الأبَدية، أو الشقاء الأبدي، أو الفناء الأبدي.

إن وجود يوم ينتهي فيه التاريخ البشري، ويتم فيه الحساب العام، حقيقة لا بدَّ من التسليم بها؛ فإن القول بأن التاريخ البشري - الذي له بداية يعترف بها الجميع - ليس له نهاية، هو أمرٌ لا ينسجم ومنطقَ العقل، ولا الدين كله، إنه يُفقد التاريخ معناه، ويجعله بلا معنًى، والفرق بين التصور اللاهوتي (اليهودي والمسيحي) للغائية التاريخية، وبين التصوُّر الإسلامي - أن الغائية في التصور الإسلام لا تَقفز فوق مؤهلات الدنيا، ولا تَختزل الدنيا بكل ما تتطلبه من معقولية وإيجابية اعتمادًا على الغاية النهائية، إنها تبتعد إلى الآخرة عن طريق الدنيا، وبقدر الإيجابية في الدنيا - مع استقامة الوسائل وشرف الغايات - تكون الدرجة في الآخرة.

إن الفلاسفة العقليين في عصر التنوير، قد حاوَلوا علاج الخلل في التصور اللاهوتي للغائية، لكنهم سقطوا في حفرة أعمقَ، فجعلوا الغاية دنيوية بَحتة، إنهم قد يكونون معذورين؛ فاللاهوت المسيحي يُسيء إلى الدنيا إساءة بالغة، ويجعلها صفرًا في الرحلة إلى الخلود، بينما هي الطريق، إنه يقول: اهجر الدنيا، تَضمنِ الآخرة، وازهَد في الطيبات، ولا تعمر، ودعْ ما لقيصر لقيصر، وحسبُك أن تؤمن بالمخلص الذي انتحَر[1] من أجْلك، أما التصور الإسلامي، فيدعوك إلى المشاركة الكاملة في الدنيا - تعميرًا وأكلاً من الطيِّبات، ومقاومةً للباطل، وصناعة لمؤسسات الحق، ونشرًا للخير والمنفعة - وأنت عندما تموت في هذا الطريق، تكون قد عبرت الدنيا عبورًا كريمًا، وأدَّيت واجبك بهذا الحضور الدنيوي المكثَّف، وإياك والغياب عن الدنيا، وترْكَها للباطل يَمرَح فيها، وإياك أيضًا أن تجعل أهدافها - مثل الفلاسفة العقليين - دنيوية بَحتة.

إن عناية الله توجِّه التاريخ البشري وترعاه، وتقوده ليوم لا ريبَ فيه، لكن ذلك لا يتم على حسابك أيها "الإنسان"، أيها الفاعل والصانع للتاريخ والحضارة - برعاية الله - إنك مسؤول مسؤولية كاملة، وعلى قدر مسؤوليتك تُحاسَب، وعناية الله تعفيك من الحساب عن الكوارث الطبيعية، وعن كل ما هو فوق طاقتك!

إن حركة التاريخ أمامنا قد تُصيبنا بنوعٍ من الضبابية في الرؤية، وقد يُخيَّل إلينا - في بعض اللحظات - أن الغاية غير معقولة، لكن عدم إدراكنا لمعقوليَّتها، لا يعني عدم وجودها، فعقولنا المجزَّأة، والتي تعمل بطريقة محكومة بالبيئة وبمؤثراتنا الذاتية - لا تقوى على رؤية المعقول الكلي.

إن "أوجست كانت" شعَر بهذه الأزمة وتساءَل: "إن أحدًا لا يستطيع تجنُّب شعور معين بالامتعاض، عندما يلاحظ أفعال الناس التي تُعرض على المسرح الكبير للعالم، فالأفراد يُظهرون الحِكمة هنا وهناك، ولكن نسيج التاريخ الإنساني ككلٍّ يبدو أنه منسوج من الحماقة، وتفاهة الأطفال، وغالبًا من الآثام الطفيلية، وحبِّ الدمار، ونتيجة ذلك فإننا في النهاية حائرون في معرفة ما هي الفكرة التي نَصوغها عن نوعنا الذي نشعر بفخرٍ عظيم بمميزاته"[2].

لكن "أوجست كانت" لا يَلبث أن يُجيب على هذا اعتمادًا على فكرته المعروفة في فلسفة التاريخ، وهي فكرة "التقدم"، فهو يرى "أننا إذا اكتفَينا فعلاً بالنظر إلى الأحداث التاريخية من وجهة نظر الأفراد المَعنيين فقط، فلن يُصادفنا هناك سوى جمْع مضطرب من الوقائع غير المرتبطة، والتي لا تعني شيئًا في ظاهرها".

ولكن الأمر قد يختلف إذا حوَّلنا انتباهنا إلى أحداث النوع الإنساني بأسْره، بدلاً من أحداث الفرد، فإن ما يبدو من وجهة نظر الفرد فوضى وبلا قانون، قد يبدو بالرغم من ذلك ذا نظامٍٍ ومتعقلاً إذا نظر إليه من وجهة نظر الأنواع، والوقائع التي بدَت فيما مضى بلا قيمةٍ، تبدو وكأنها تخدم هدفًا أكبرَ، فقبل كل شيء: إنه من الممكن أن يتبع التاريخ كما في الطبيعة، أو العناية الإلهية (يستخدم أوجست كانت الكلمتين بمعنًى واحد) - خطة طويلة المدى غايتها البعيدة هي الأنواع الإنسانية ككل، وقد يكون ذلك بتضحية بخير ومنفعة الفرد[3].

ويلتقي مع "أوجست كانت" في فكرة "التقدم المطرد"، كثيرٌ من فلاسفة التاريخ في عصر التنوير؛ فقد أشار "أكتون" إلى أن التاريخ (علم تقدمي)، وقال: إننا مرغمون على افتراض أن التقدم في الأمور الإنسانية هو الفرض العلمي الذي يُكتب التاريخ وفقًا له[4]، وكان المؤرخ جيبون - أبرز مؤرخي عصر التنوير - من المتحمسين لفكرة التقدم المطرد، لدرجة أنه زعم (بأن كل عصر في العالم قد أضاف وما زال يضيف إلى الثروة الحقيقة للسلامة الإنسانية وسعادتها ومعرفتها، وربما فضيلتها[5]، وقد سمَّى زعمه هذا (النتيجة السارة الخاصة)، ومن الغريب أنه كتب هذه النتيجة في كتابه المعروف عن انحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها، (الفصل الثامن والثلاثين)، لكن فكرة التقدم المطرد سَرعان ما انهارت على يد فلاسفة تاريخ القرن العشرين، وعلى رأسهم شبنجلر، وتوينبي.

وعلى الرغم من وجود بعض العناصر اللاهوتية في فلسفة توينبي، ومن بعض التفاؤل الحذر بمستقبل للمسيحية - فإن الفكر اللاهوتي كان أمره قد انتهى، ولم يَعُد يحظى إلا بقليلٍ من التقدير؛ ذلك لأن إلغاء دور الإنسان الأساسي في صناعته التاريخَ أمرٌ لا يمكن قَبوله، كما أن القول بأن حوادث التاريخ تخضَع لقدرة ربَّانية، لا تترك للإنسان دورًا يوازي مسؤوليته، هو أمرٌ مرفوض أيضًا، بل إن هذا الفكر اللاهوتي الذي يُسميه الفيلسوف والمؤرخ "غوستاف لوبون" اعتقادًا صبيانيًّا[6]، قد أساء إلى التصور الإسلامي لفلسفة التاريخ؛ لأن كثيرًا من الأوروبيين وتلامذتهم الشرقيين، لم يحاولوا دراسة الإسلام دراسة مستقلة بعيدة عن الفكر اللاهوتي العام.

ولم يكن خطأ الفكر اللاهوتي في إغفاله الدور الأساسي للإنسان فحسب، بل أيضًا في إغفاله للسنن الكونية والاجتماعية التي تخضَع لها جميع حوادث التاريخ، والإسلام هو وحده التصور الذي جمع بين وجود "الغاية" للتاريخ، ووجود "معنى" لكل وقائعه - إن ظاهرًا أو باطنًا، وإن عاجلاً أو آجلاً - ووجود "عناية إلهية"، ووجود دور أساسي "للإنسان"، وخضوع الإنسان والطبيعة لسنن كونية، هذه الأبعاد هي أضلاع لمعادلة متكاملة متوازنة تَحكم حركة التاريخ، وتحقق للإنسان القدر المنطقي من الحرية الذي يتوازى مع قدراته وإمكاناته الزمانية والمكانية، وليس بينها أي تناقُض كما يتصور الفكر اللاهوتي أو المفكرون العقليون!

♦ ♦ 

إن الفكر العلماني التنويري كان منفعلاً في مواجهة الفكر اللاهوتي، وكان بالتالي معبرًا عن (أزمة روحية)، وهو يقرِّر كما يقول برجون: "إن من العبث أن يحاول الإنسان أن يُعيِّن للحياة غاية بالمعنى الإنساني لهذه الكلمة، فإن الغاية - بهذا المعنى - معناها وجود نموذج من قبل، لا يعوزه إلا أن يتحقق بالفعل؛ أي: إننا نفترض - حينئذٍ - في الواقع أن كل شيء موجود دَفعة واحدة، وأن المستقبل يمكن أن يقرأ في الحاضر، بينما الحياة تقدُّم وتتابُع واستمرارٌ"[7].

ولم يتساءل هذا المفكر: إلى متى سيظل هذا التتابع والاستمرار؟

إن أمامنا كثيرًا من الحضارات قد اندثرت أو تحوَّلت إلى ذرات في جسم حضارات أخرى، بعد أن ابتلعتها في أحشائها وحوَّلتها إلى جزءٍ منها، ويومًا ما ستصل الحضارة الغربية إلى ساعة الأُفول أو الانتحار أو الامتلاء لدرجة الموت، وقد تقوم حضارة أخرى أكثر روحانية وإنسانية وتوازنية، لكن التسلسل والدور لا يمكن أن يستمرَّا متتابعين دون نهاية، فوجود الزمان المطلق المتحرر المجرد معنًى شعري أكثر منه معنًى واقعيًّا!

﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [التغابن: 7].



[1] التصوُّر المسيحي يرى أن المسيح - عليه السلام - قبل أن يُقتل طَواعية من أجْل التكفير عن خطيئة أبينا آدمَ وخطاياه، وكان يستطيع - كابنٍ لله - أن يُنقذ نفسه؛ أي: إنه بإيجاز انتحَر، والإسلام يرفض عملية القتل أصلاً، ويرى أن الله أنقذه من أيدي اليهود، ورفعه إليه كما أنه يَرفض الانتحار!

[2] و. هـ. وولش؛ مدخل لفلسفة التاريخ؛ ترجمة أحمد حمدي، مؤسسة سجل العرب، مصر 1962م، ص 166.

[3] وولش؛ مدخل لفلسفة التاريخ، ص 167.

[4] إدوارد كار؛ ما هو التاريخ؛ ترجمة أحمد حمدي، نشر مؤسسة سجل العرب 1962م، ص 144.

[5] إدوارد كار؛ المرجع السابق، ص 143.

[6] فلسفة التاريخ؛ ترجمة عادل زعيتر، نشر دار المعارف بمصر، 1954م، ص 57.

[7] عبدالرحمن بدوي؛ إشبنجلر، ص 23، نشر مكتبة النهضة بمصر 1941م.

 
 
قراءة 2171 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 07 تموز/يوليو 2015 09:20

أضف تعليق


كود امني
تحديث