طوال موسم الخريف كنت موزعة بين مراقبة هجرة أنواع من الطيور و بين الإهتمام ببعض النباتات في الحديقة. أحيانا أرغب في وضع مسافة بيني و بين الأجواء العامة، فألجأ إلي أعمال مفيدة و مريحة في آن. أعد نفسي محظوظة حقا كوني لا أعرف ضغوط العمل و لا متاعب النقل.
أكثر ما يأسرني في مملكة الطيور ذلك التناغم و العيش وفق ناموس دقيق، هذا و التغيرات المناخية كان لها الأثر العميق في عادات أنواع من الطير، ففي السنتين الأخيرتين سجلت تحليق شبه دائم لطيور النورس بعيدا عن شواطيء البحر. و قد باتوا يقتاتوا علي الحمام الذي كثيرا ما يباغتونه من دون سابق إنذار.
و كم أسعد بالعصفور الصغير "الصعو أصفر العرف" القادم من أوروبا، دائما أترقب مجيئه و هو يطير و يتحرك بسرعة السهم و أول ما يحط علي أغصان الورد المتسلق و التي تبرعم براعم الورد طوال العام.
عادة ما يقترن حلول فصل الخريف بهجرة طائر السنونو، فيخلو عشه من صغاره و ذهابه و إيابه، تنمو صغاره بسرعة لتفارق العش مرافقة والديها. هذا و ينزل الشحرور ضيفا علي أغصان الأشجار المثمرة، فينتابك ذلك الشعور الجميل بروعة مملكة الطيور الذي نادرا ما نري بعضهم في عراك. و بهطول الغيث الغزير تمتلأ بركات الماء بعصافير و حمام و نورس لشرب مياه نظيفة. فتغسل الأمطار الأشجار و النباتات و الأزهار ليطالعنا إخضرار مبهر.
قمت بقطع عرف صغير لزهرة و أعدت زرعه في محبس و إنتظرت الإستجابة لمكانه الجديد و الحمد لله بعد مدة قصيرة خرجت للنور أوراق خضراء جديدة و لاحظت أن بعض الأزهار لا تحتاج إلي الكثير من الماء بل لا بد من جفاف تربتها لسقيها. هذا و بعض فروع الورد لا تبرعم طيلة فترة الجليد إلي بدايات الربيع و حتي أوراقها تتأثر فيعلوها الإصفرار.
لأسابيع بت مشغولة بمسائل أبعدتني تماما عن الأخبار العادية و هذا أراحني بشكل كبير . فكل إنسان يحتاج أحيانا إلي قطيعة مع واقعه المباشر ، رغبة منه في تجديد قواه و الترويح عن نفسه. فأنماط المعيشة في زمننا جد مرهقة و أحيانا ما تؤدي الكثير من الضغوطات إلي إكتئاب نفسي.
علي مدي أسابيع، إزددت إيمانا بالواحد الأحد،نبات، أزهار، أشجار و طيور يحملون العبد إلي مملكة الحق، ليس هناك أعظم من مخلوقات الله، فالله أكبر سبحانك و بحمدك و اللهم ثبتنا علي طاعتك و أعنا علي تقواك يا رحيم يا رحمان.