قال تعالى:(و إن تولوا فاعلموا أنّ الله مولاكم نعم المولى و نعم النصير).
يجب أن يعلم المسلمون هذا العلم، أي أسماء الله و صفاته، إنّ إحصاء أسماء الله الحسنى مطلب عظيم النفع، لا يلقّاه إلا أصحاب النفوس الشريفة و الهمم العالية، فهو أولى ما تصرف إليه العناية، و أشرف ما صرفت فيه الأنفس لهذه الغاية، الذي عليها مدار السعادة، فما تزال مرتقيا في المعالي على قدر تحصيلك لها و التعبد بمقتضاها، تكون لك الزلفى عند الله تعالى في الدرجات العلى، في جنات المأوى.
دراسة الأسماء و الصفات أعظم باب، و أنفع باب في الإيمان، و أقوى باب في مراقبة الله، و أقصر الطرق إلى الجنة، و أعظم ما يقوي الإيمان، و على المرء أن لا ينقطع عن دراسته حتى الموت.
(فاعلموا أنّ الله مولاكم) "أمر الله أن نعلم أنه هو عزّ وجل من يتولى مصالح عباده المؤمنين ، و يوصل إليهم مصالحهم، و ييسر لهم منافعهم الدينية و الدنيوية. (و نعم النصير)الذي ينصرهم فيدفع عنهم كيد الفجار و تكالب الأشرار، من كان الله مولاه و ناصره فلا خوف عليه، و من كان الله عليه فلا عز له، و لا قائمة تقوم له"1 فلا سبيل إذا للجزع و الخوف في زمن من الأزمنة أو في مكان من الأمكنة إذا تحققت من اسم الله عز و جل " المولى النصير"، فمن هو النصير؟
النصر في اللغة : المنع، و الناصر : هو الميسّر للغلبة، و النصر : إعانة المظلوم.
النصير هو الله، ينصر المستضعفين، و يرفع الظلم عن المظلومين، و لو كانوا كافرين، فلا ناصر لهم إلا الله سبحانه، و هو الذي يؤيد بنصره من يشاء، و لا غالب لمن نصره، و لا ناصر لمن خذله قال تعالى (إن ينصركم الله فلا غالب لكم)آل عمران16. و هو الموثوق منه بأن لا يسلم وليّه إلى عدوّه و لا يخذله.
هو النصير الذي يِؤمّن الخائفين، و يجير المستجيرين، و هو عزّ و جل كما ينصر المؤمنين على عدوهم من الكافرين، و الظالمين، و هما العدو الخارجي، كذلك ينصرهم على عدوهم الداخلي، من النفس و الشيطان، و هما العدوان اللذان لا يفارقان العبد، و عداوتهما أضر من عداوة العدو الخارجي، و النصر على هذا العدو أهم، و العبد إليه أحوج، و كمال النصرة يحسب كمال الاعتصام بالله، قال تعالى:( إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم)محمد7.
و نصرة الله تأتي للعبد من حيث لا يحتسب، فلا تعدّ و تحدّ و لا تردّ، و كلّها مخزونة، عنده بالغيب قد تكون بالإمداد و الإعداد، أو تكون بأسباب أو بدون أسباب، و هذه النصرة حق أوجبه على نفسه تعالى تفضلا و تكرما (و كان حقا علينا نصر المؤمنين ) الروم.
من نصره، تأييده بملائكته، كما في نصره لنبيه و صحبه في بدر، و بالريح كما في عاد و الأحزاب، و بإرسال الطير الأبابيل كما في أصحاب الفيل، و بالصيحة كما في ثمود، و بالخسف كما فعل بقارون و القدف كما في قوم لوط، و إلقاء الرعب كما فعل باليهود، فلا يحصي جلال نصره إلا ّ الله الذي هو خير الناصرين، و من أراد أن ينصره الله سبحانه و تعالى فلينصر دينه، قال تعالى:(إن تنصروا الله ينصركم).
و النصر يكون مع الصبر مقترنان لا ينفكان، قال صلى الله عليه و سلم "و اعلم أنّ النصر مع الصبر" صحيح الترمذي.
فإذا كان الصبر أتى بعده النصر في كل شيء، فلا يأتي النجاح إلا بالصبر، و لا يأتي الفرج من الهموم إلا بالصبر، و لا تأتي الفتوحات إلا بالصبر، إذا أين فتوحات المسلمين اليوم؟ لما لم تقم لهم قائمة؟ الجواب: أنهم جهلوا سنّة الله في خلقه، سنّة النصر التي تأتي مباشرة بعد الصبر، غفلوا عن أسماء الله و صفاته، و وعده و وعيده.
يقول بعض أهل العلم "لا تقع فتنة إلاّ بترك ما أمر الله به، و الله أمر بالحق، و أمر بالصبر" فإذا ترك المسلمون الحق، و لم يصبروا عليه غاب عنهم النصر و العزّ و التمكين، نعوذ بالله من سوء المنقلب. قال الله تعالى:( و كذلك جعلنا لكل نبي عدوّا من المجرمين و كفى بربك هاديا و نصيرا) " هاديا أي يهديك فيحصل لك المطلوب، و مصالح دينك و دنياك، و نصيرا أي ينصرك على أعدائك، و يدفع عنك كل مكروه في أمر الدين و الدنيا"2
قال تعالى (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا و الآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيض)15 الحج." أي من كان يظن أنّ الله لا ينصر رسوله، و أنّ دينه سيضمحل، فإنّ النصر ينزل من السماء ( فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع) النصر عن الرسول ( فلينظر هل يذهبن كيده ) أي ما يكيد به الرسول، و يعمله من محاربته، و الحرص على إبطال دينه، و هذا استفهام بمعنى النفي، أي : إنّه لا يقدر على شفاء غيضه بما يعمله من الأسباب"3
و معنى هذه الآية الكريمة هي وعد و بشارة بنصر الله لدينه و لرسوله و لعباده المؤمنين ما لا يخفى، و من تأييس الكافرين الذين يسعون ليطفئوا نور الله بأفواههم و مكائدهم ما أمكنهم، أي يا أيها المعادي للرسول محمد عليه الصلاة و السلام، الساعي في إخفاء دينه، اعلم أنّك مهما فعلت من الأسباب و سعيت في كيد الرسول، فإن ذلك لا يذهب غيضك، و لا يشفي كمدك، فليس لك قدرة في ذلك، و لكن سنشير عليك برأي تتمكن من شفاء غيضك، و من قطع النصر عن الرسول إن كان ممكنا، اعمد إلى حبل من ليف أو غيره ، ثمّ علقه في السماء، ثمّ اصعد به حتى تصل إلى الأبواب التي ينزل منها النصر، فسدّها و أغلقها، و اقطعها، فبهذه الحال تشفي غيضك، فهذا هو الرأي و المكيدة، و ما سوى هذه الحال فلا يخطر ببالك أنّك تشفي بها غيضك، و لو ساعدك من ساعدك من الخلق.
إذا فلييأس من يريد الكيد بالرسول و بالإسلام فلن يصل إلى مبتغاه أبدا. فالله ناصر عباده المؤمنين في الدنيا و الآخرة.
هذا هو النصير، فاعرفه و اكتف به و توكل عليه.
1-2-3 تفسير السعدي رحمه الله تعالى.