قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 28 كانون2/يناير 2015 06:59

باطل مشرق

كتبه  الأستاذ محمود محمد شاكر
قيم الموضوع
(0 أصوات)

لم أكد أفرغ لنفسي، و أنفض عن فكري مثاقل الهمِّ الفادح الذي أتحمله -إذا كتبت في شأن هذه الأمم المسلمة- حتى دخلت في خلوتى أيام و ليالي تعلمني أن الباطل المشرق صنو الباطل المظلم البهيم، بل إن الباطل المشرق أضرى و أفتك بالبشر من صنوه و أخيه المظلم، للباطل المظلم ردة كرَدَّة الوجه القبيح، يزوى لها الناظر ما بين عينيه، و يردُّ بصره معرضًا عما يرى فيه من قبح، أما الباطل المشرق المضيء، فله فتنة تنادي، كفتنة وجه الحسناء الخبيثة المنبت، تأخذ بعين الناظر فيقبل عليها ملقيًا بنفسه في مهالك هذا الجمال الآسر، و إذا المنبت الخبيث درَّة مستهلكة في هذا التيار المترقرق من فتن الحسن و الهوى.

و هذه الرقعة المتراحبة من حدود الصين إلى المغرب الأقصى -و التي تسكنها أمم ورثت اسم الإسلام، فنُسبت إليه، و وُصفت به- تعيش اليوم في بريق متلألئ من هذا الباطل المشرق، فمنذ أكثر من مائتي سنة، ضربها الغازي الصليبي المستعمر ضربة رابية، حتى خرَّت عاجزة، ثم ظلَّ يضربها حتى همدت أو كادت، و في خلال ذلك كان الغازي يستحييها بحياة غريبة عنها، حتى يأتي يوم تتبدل فيه من حياة كانت إلى حياة سوف تكون، و كذلك يقضي قضاء ساحقًا على أسباب الحياة الأولى، الحياة التي كانت تُعرف بالحياة الإسلامية.

ثم جاء اليوم الذي ظنَّ فيه هذا العالم أنه ارتد إلى الحياة مرة أخرى، و نعم، إنه ارتد إلى حياة مرة أخرى، و لكن أي حياة! ما على الآلاف المؤلفة التي تدبُّ في أرجاء هذا العالم من مثل هذا السؤال؟

إنَّ حبَّ البقاء في الحي الفرد، أقوى من العقل، أقوى من حب المعرفة، أقوى من حب المال، فإذا ظفر بالبقاء على أمه الأرض، فقلما يبالي بشيء غير هذا البقاء، و لكن الحياة الإنسانية مجتمعة لا تستقيم بحب البقاء وحده. فالاجتماع الذي يضم هؤلاء الأحياء المتشبثين بالبقاء، يحدث لهم ضروبًا جديدة من الأماني و الآمال و المطامح، تغلب هذا الحب الخفي للبقاء المجرد في الفرد، و تنشئ فيهم حبًّا لبقاء آخر: هو بقاء حياة الجماعة، من حياة أنشأها الإلف و التعوُّد، و حياة تنشئها الأماني، في حياة أتم و أكمل و أمجد.

و النزاع بين حياة الإلف و التعود، و حياة الأماني في الكمال و المجد نزاع عنيف، و هو على عنفه أمر غامض في نفوس عامة أفراد المجتمع؛ لأنه يقوم على أماني مبهمة دائمًا في أول أمرها، و لا تستبين هذه الأماني إلا في فئة قليلة، تملك من القدرة على النظر، و على التأمل، و على البيان عن نظرها و تأملها، قسطًا يتيح لها أن تحاول التعبير عن هذه الأماني، تعبيرًا يخرجها من حيز الأمر المبهم إلى حيز الأمر البيِّن.

فمن هذا المدخل يدخل على الجماهير أحد رجلين: إما رجل عاقل صادق، يحسن النظر و التأمل و البيان، و إما رجل ذكي قادر، يموِّه عليهم بالنظر و التأمل و البيان، أحدهما عارف، يصدُق الناس و لا يبالي، و الآخر دجَّال يلعب بالناس و لا يبالي، أحدهما لا يأخذهم إلا بالوسائل التي تقوم على الصدق و العدل و الحقِّ، و الآخر يأخذهم بكلِّ وسيلة لا يعبأ بصدق و لا عدل و لا حقٍ، أحدهما يعلِّم الناس معنى هذه الأماني المبهمة في أنفسهم، كما ينبغي لكلِّ تعلُّم من جهد و مشقة و حذر و بصر، و الآخر يعلِّمهم معنى هذه الأماني المبهمة في أنفسهم، بما يستثيره فيهم، و ما يستغلُّه من نزوعهم و تلهفهم، لا يأبه لشيء إلَّا لما يستخفهم إلى اتباعه و طاعته و تمجيده.

فالحرية -مثلًا- سوق تهوى إليه نفوس المستعبدين، كلمة مبهمة تعيش في سرِّ نفوسهم كالقبس المكفوف، لو كشف غطاؤه لأضاء، فالرجل الصادق يعلِّم النفوس معنى الحرية، و يُكسبها من وسائل تعلُّمها ما لا بد لها منه من صدق و عزيمة و جد و مشقة و بصر، حتى تتهاوى الجدران التي تحول بينها و بين الانطلاق، و تنفض الأغلال الثقيلة الغليظة التي تعوق الحيَّ عن إدراك حريته. 

أما الدجَّال، فهو لا يزال يصرخ فيهم باسم الحرية، ثم لا يمنح الناس من وسائلها إلا كلُّ وسيلة لا تغني شيئًا في كفاح الجدران و الأغلال، بل ربما زادت الجدران صفاقة و قوة، و الأغلال ثقلًا و غلظًا و فداحة، فهذا هو الباطل المشرق؛ لأنَّه يأتي الناس من حيث تهوى أفئدتهم معنى مبهمًا غامضًا كريمًا، فيموِّه هذا المعنى بما شاء من تمويه؛ ليسير الناس وراءه كما هم عميًا صمًّا، لا ليعلم الناس حقًّا يطلبونه، و يحرصون عليه، و يزدادون معه على الأيام بصرًا و إدراكًا.

و هذا العالم الإسلامي الذي يموج اليوم موجه، ينبح في نواحيه هذا الباطل المشرق ينبح في السياسة، و في العلم، و في الأدب، و في الفنِّ، و في الأخلاق، و في جماع ذلك كلِّه: في الدين هو عالم مستغلُّ، يستخفُّه الدعاة و الدجاجلة، يهتبلون غفلته في هذه الحياة التي ظنَّ أنَّه ارتدَّ إليها بعد همود، و يختلسون نفضة هذا الشوق المضطرم إلى أمانٍ مبهمة غامضة، و يتولَّى قيادته في كلِّ شأنه ألسنة لا تبالي، تستفزُّه إلى المغامرة في سبيل الحياة الماجدة الطيبة التي تجيش فيه، تستفزُّه بالنداء الصارخ باسم هذه المعاني المبهمة في ضميره، و تعطيه وسائل و أساليب يظنُّها معينة له على إدراك ما يشتاق إليه، و هي في الحقيقة مفضية به إلى التمرغ في حمأة الجهالة و العبودية، و الغرور الكاذب، إلى أن يقضي الله في الناس بأمره و قضائه.

و أخطر هذه الألسنة التي تستفزُّ هذا العالم، هي الألسنة التي اتخذت كلمة الإسلام لغوًا على عذباتها -أطراف الألسنة- لا لأنَّها أعظم شأنًا و أعزُّ سلطانًا من الألسنة الأخرى -ألسنة المموِّهين باسم الحرية، و اسم العلم، و اسم الفنِّ، و اسم الأخلاق- بل لأنَّها تعمد إلى كتاب أنزله الله بلاغًا للناس، و حكمة أوحيت إلى رسوله لتكون نبراسًا للمهتدين، فتحيلهما إلى معان من أهواء النفوس، التي لا تعرف الحقَّ إلا في إطار من ضلالاتها و أوهامها. 

ثم يتبعهم التابعون الجاهلون اتباعًا، هو سمعٌ و طاعة، لكن لغير الله و رسوله، بل للزُّور المدلَّس على كتاب الله و سنة رسوله، و إذا هؤلاء المتبعون يعدُّون هذه الضلالة دينًا، و يظنُّون هذا الدين الجديد إحياء للإسلام، و إذا هم يأخذون دينهم من حيث نهوا أن يأخذوا، يأخذونه عن مبتدع في الدين برأيه، محيل لنصوصه بفساد نشأته، مبدِّل لكلماته بهوى في نفسه، محرِّف للكلم عن مواضعه بما يشتهي و ما يحبُّ، مختلس لعواطف الناس بما فيه من حبِّ اتباعهم له، خادع لعقولهم برفعة الإسلام، و مجد الإسلام، و هو لا يبغي الرفعة و لا المجد إلا لنفسه.

و لقد أنبأنا معاذ بن جبل رضي الله عنه بصفة ما نحن فيه، إذ قال يوما لأصحابه: "إنَّ من ورائكم فتنًا يكثر فيها المال، و يفتح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمن و المنافق، و الرجل و المرأة، و الصغير و الكبير، و العبد و الحر، فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني و قد قرأت القرآن؟ ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم و ما ابتدع، فإن ما ابتدع ضلالة، و أحذِّركم زيغة الحكيم، فإنَّ الشيطان قد يقول كلمة الضلال على لسان الحكيم. و قد يقول المنافق كلمة الحق. قال له يزيد بن عميرة -أحد أصحابه-: ما يدريني رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، و أن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ قال معاذ: بلى! اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها: ما هذه؟ ول ا يثنينَّك ذلك عنه، فإنَّه لعله يراجع، و تلقَّ الحقَّ إذا سمعته، فإنَّ على الحقِّ نورًا".

و قد فتح القرآن، فأخذته الألسنة كلُّها من مؤمن و منافق، و من صغير و كبير، و كلٌّ يقول برأيه لا يختشي، و لا يرهب و لا يتقي، و ظهر في كلِّ أرض من يقول لنفسه: "ما للناس لا يتبعوني و قد قرأت القرآن؟" ثم يعود من نحسه و شؤمه، يجمع كلَّ خسيسة من البدع التي تميل إليها نفوس الجاهلين الغافلين، و تهوي إليها أفئدة الذاهلين، المفتونين بالحبِّ لكلِّ جديد مبتدع، و هو في كلِّ ذلك يعلم أنَّ المبتدع في كلِّ شيء له لذة الجِدَّة، و يعلم أنَّ الناس يشتاقون إلى أمر مبهم في نفوسهم، هو استعادة مجد دينهم، و نشر كلمته في الأرض، فلا يبالي أن يشرع لهم من الدين ما لم يأذن به الله، فيؤتيهم ما يطابق ما يراه من أشواقهم، و يزيِّن لهم أنَّ بلاغ ما يشتاقون إليه قريب، إذا هم اتبعوه إلى الغاية. 

و أنَّ شرط بلاغه أن يعطوه السمع و الطاعة له و لمن يصطفيهم من شيعته و دعائه، فإذا تمَّ أن تجتمع عليه طائفة من الناس، و ظهر بهم أمره، و ظنوا أنهم بلغوا بعض ما منَّاهم لسانه و لسان شيعته و دعاته، قالوا: "إنَّ الإسلام هو هذا الذي ندعو إليه، و إنَّ طريق الحقِّ طريقنا وحده، و إنَّ الإسلام في غير الإطار الجديد الذي وضعناه فيه ليس من الحق في شيء، و إنَّ هذا الفهم الجديد للإسلام هو خلاص المسلمين من هذه الذلة التي ضربها عليهم الغازي الصليبي..". 

ثم تنشق ردغة هذا الخبال عن صنوف مختلفة من الفساد المهلك، تجعل تاريخ الماضي كله ضربًا من الحياة الفاسدة، لا ينبغي لأحد من الناس أن يتلفت إليه إلا تلفت المزدري المستنكف، و عندئذ يصبح الدين في أذهان الجماهير المتبعة رسالة جديدة، لها رسولها و حواريوها و دعاتها و شهداؤها.. 

و إلى بيان هذه الرسالة تعود الجماهير، لا إلى كتاب الله و لا إلى سنة رسوله، نعم، بل إلى تفسير هذا الكتاب و هذه السنة، كما يراها لهم طواغيتهم من كهوف التبديل، و التحريف، و التأويل بالهوى والضلالة، و عندئذ يتمُّ تبديل معنى الإسلام في الناس، و يتمُّ للدجال أن يبتدع بهواه إلى طب في أهوائهم كتابًا غير كتاب الله، و لولا أنَّ الله قد ضمن لنا حفظ نصِّ كتابه، و حفظ نصِّ البيان عنه في سنة رسوله، لفعل هذا و أشياعه ما فعل أسلافهم ممن بدَّلوا كتب الله و حرَّفوها، و محوا منها و أثبتوا، و نقصوا فيها و زادوا.

لولا هذا الذي نخافه، بل هذا الذي كان مما نخافه، لما عددت هؤلاء أشد خطرًا من الألسنة التي تموِّه على الجماهير الجاهلة الغافلة باسم الحرية، و اسم العلم، و اسم الفن، و اسم الأخلاق فطريقهما في الحقيقة واحد، و منشؤهما واحد، و نتائجهما واحدة، و في التغرير بالناس، و العبث بعقولهم، و الإفساد لفطرتهم، و اللعب بعواطفهم، و إيهامهم أن نجاتهم من عبودية الغزاة أمر قريب لا يكلِّفهم إلا أن يسمعوا لمن يقول لهم: "كونوا أحرارًا". فإذا هم سادة أحرار، كما ولدتهم أمهاتهم!

اللهم إني أبرأ إليك مما نحن فيه، اللهم إني أخوف الناس مما خوَّفهم منه عبدك و رسولك، إذ يقول: «أخوف ما أخاف على أمتى كل منافق عليم اللسان» (السلسلة الصحيحة: 1013).

اللهم إني أقول كما قال صاحب رسولك معاذ بن جبل: "الله حكم قسط، هلك المرتابون!".


المصدر: كتاب (جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط1، 2003م، (1/593).

الرابط:
قراءة 1579 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 08 تموز/يوليو 2015 09:49

أضف تعليق


كود امني
تحديث