التوبة لغة هي العودة و الرجوع، و اصطلاحا هي الاصلاح بعد الافساد، و الانابة إلى الله لتصحيح الخطأ و تقويم الاعوجاج.
و هي واجبة من كل ذنب. قال تعالى: { و توبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } النور/31
و التوبة باب عظيم من أبواب رحمة الله بالعباد. إذ مهما تعاظمت ذنوبنا و كثرت، فالله يمحوها و يغفرها. قال تعالى:{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } الزمر/53
ومن لطف الله بنا أن جعل باب التوبة مفتوحا على الدوام. قال (صلى الله عليه و سلم): " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل "(1)
فيداه مبسوطتان؛ تستقبل المنيبين، الآيبين إلى حياض كرمه و فضله.
و قد رغبنا الله في عفوه و مغفرته، و حاشاه أن يقنطنا من رحمته. قال (صلى الله عليه و سلم):" كل
ابن آدم خطاء؛ و خير الخطائين التوابون "(2)
فنحن البشر خطاؤون، ذلك طبع فينا. لكن الخير منا؛ من يلزم باب التوبة، ليدقه في كل حين؛ أي
بعد كل غفوة أو جفوة.
و لتنظر معي بفكر حصيف لقوله تعالى: { إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين }البقرة/222
فكونك توابا، ذلك يعني بالضرورة أنك خطاء.. و هكذا تجاوز الكريم عن كثرة خطئك، و نظر إلى
كثرة توبتك و أوبتك.
فواعجبا؛ إن كثرة أخطائنا زادتنا حبا لديه سبحانه..
و التوبة بالمنظار الاسلامي، ليست التصحيح فقط. بل تذهب إلى أبعد من ذلك.. إنها البدء من جديد.
قال (صلى الله عليه و سلم): " التائب من الذنب كمن لا ذنب له" (3). و هذا يعني أن التوبة تجبو تمحو ما قبلها.
و لعلي لا أفاجئك إن قلت؛ بل يذهب بنا تكرمه -جل و علا- و تفضله علينا إلى أبعد من ذلك و أبعد.. إنه يبدل السيئات إلى حسنات. و في رواية، ينسي الذنب كل من شهده، أو حضر وقوعه. فلايشهد على المذنب التائب أحد. قال تعالى:{ إلا من تاب و آمن و عمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما } الفرقان/70
هذا إن صحت التوبة و خلصت، و لكي تكون كذلك، و ترفع صاحبها إلى مقامات عالية عند ربه، و تؤهله لمجاورته في دار كرامته. لابد لها من شروط هي:
1- الإقلاع 2- الندم 3- أن يعزم ألا يعود
مع مداومة الاستغفار.. قال شوقي:
تائب تجري دموعي ندما يا لقلبي من دموع الندم
و ياليت شعري.. ما أروعه من حديث هذا الذي قص فيه النبي (صلى الله عليه و سلم) فرحة الرب بتوبة العبد، فقال: " لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه و عليها طعامه و شرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، و قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي و أنا ربك، أخطأ من شدة الفرح " (4)
أجل لقد أخطأ من شدة الفرح..
فانظر معي - أثابك الله - أيوجد في الدنيا من يفرح بالمجرم الخطاء، حتى و لو بكى دموعا من دم، بل و لو كان المستقبل لأبا أو أخا أو حتى أما.. لا و الله، فالبشر لا يغفرون، و حتى لو غفروا فصورة الذنب تبقى أمام أعينهم لا تفارق الأذهان..أما الكريم؛ فإنه يغفر و يعفو و يأخذ باليد.
1-رواه مسلم
2-وصححه الحاكموقد حسّن الحديث الألباني
3- رواه ابن ماجة صحيح الجامع3008
4-خرجه البخاري