قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
السبت, 17 شباط/فبراير 2024 09:14

الحوار الحضاري في الحروب الصليبية

كتبه  الدكتور عبد الحليم عويس
قيم الموضوع
(0 أصوات)

لم تكن الحروب الصليبية - كما هو المتوقَّع - حربًا كلُّها، على امتداد كلِّ الأيام أو الشهور؛ بل كانت تتخللها فتراتُ سِلمٍ كثيرة، تُمليها ضرورة الحياة و الطبيعة الإنسانية لحرب استمرَّت قرنين و نصف قرن من الزمان.

و في ضوء هذا، لا يبدو من المستغرب أن تزدهر العلاقاتُ التجارية و الثقافية بين الصليبيين الذين احتلُّوا الرُّها، و أنطاكية، و طرابلس، و بيت المقدس، و استوطَنوها، و بين المسلمين، في هذه الأيام الصليبية التي يتقاتل الناس فيها حينًا، و يتبادلون التجارة و الثقافة حينًا آخر؛ في عملية حوارية من أطرَفِ العلاقات الجدَلية في التاريخ.

و إذا كان (التتار)، الذين دمَّروا بغداد، و قضَوا على الخلافة العباسية في العراق، قد خرجوا - و هم المنتصرون - مسلِمِين، بعد أن عمدوا - بفِطرة غير مركبة - إلى التعرف الموضوعي على الإسلام؛ فإن الأوربيين الذين يحملون تراثًا مركبًا، و فِطرة دنيوية مصلحية بحتة (براجماتزم)، قد خرجوا - و هم المنتصرون أولًا، و المنهزمون أخيرًا - بإدراك حقيقة الإسلام، مع اتخاذ قرارهم بعدم الاقتراب الموضوعي منه، و العمد إلى تشويهه، و الاكتفاء بنقل علومه و ثقافته العامة، و نظمه، و نواحي تقدُّمه؛ و ذلك خشية على أوربا من الإسلام.

و زادوا الطينَ بِلَّةً، فكوَّنوا كتائبَ من المستشرقين ثم المستغربين للحفاظ على هذا التشويه؛ و لذلك فقد ظلَّ الجهل و التحيز قرونًا يُحيطانِ بمعرفة بيزنطة و الغرب بالإسلام و بالعالم الإسلامي؛ فالبيزنطيون الذين تَصارَعوا مع المسلمين لثلاثة قرون كان لديهم أدبُهم الشعبي الذي يصوِّر المسلمين يعبدون ثلاثين إلهًا أكبرهم (مهومد)، كما يذكر ذلك (ريتشارد سوذرن)؛ مستغربًا فظاعةَ الأساطير المنتشرة عن الإسلام في الغرب خلال القرن التاسع إلى الثاني عشر، و على الرغم من التعايش عن قُربٍ مع المسلمين لعدة قرون في إسبانيا، و الحروب الصليبية، مما يفترض معرفةً أفضل، فإن واقع الحال يذهب باتجاه مغاير [1].

و من أدلة (الجهل المطبق) الذي كان عليه الصليبيون قبل أن يتعرفوا على المسلمين في الحروب الصليبية: ما هو معروف من الطبيعة الغوغائية لسلوكيات الحملات الصليبية الأولى، ليس ضد المسلمين وحدَهم، بل ضد البيزنطيين أيضًا، و يضاف إلى ذلك أنهم عندما احتلُّوا مدينة (طرابلس - الشام) - التي أصبحت إحدى مستعمراتهم - لم يتردَّدوا في إتلاف مكتبتها العامرة بمائة ألف كتاب، و مع هذا فالزمن و ما يحمله من احتكاكٍ مباشر، و غير مباشر، و الرغبة في معرفة العدوِّ - كلُّ هذه الأمور ستدفع الصليبيين باتجاه التعرف أكثرَ على معالم المسلمين، و الاقتباس من المظاهر المختلفة للحضارة العربية الإسلامية، التي ستفرض نفسها كحضارة أرقى على رجال الغرب [2].

♦    ♦ 

و عندما يتقدَّم الزمن تنداح - بالاحتكاك الحضاري - غشاواتُ الجهل تدريجيًّا؛ و لهذا فليس من المستغرب أن تزدهر التجارة الداخلية في عصر الحروب الصليبية؛ لحرص كلٍّ من المسلمين و الصليبين على المواد التي توفِّرها لهم عائدات التجارة.

و سوف يندهش الرحالة (ابن جُبير) في رحلته الشامية (1183م) لرؤيته القوافلَ تذهب و تجيء بيُسرٍ بين مصر و دمشق عبر بلاد الفرنج، و أن للنصارى على المسلمين ضريبةً يؤدونها في بلادهم، و تجار النصارى أيضًا يؤدون في بلاد المسلمين على سلعهم، و أهل الحرب مشتغلون بحربهم!

و كذلك على المحور الآخر؛ كانت في المدن الصليبية علاقاتٌ طيبة بين التجار المسلمين و المسيحيين، و نقل التجار الطليان - عبر المدن الصليبية - تجارةَ الشرق الأقصى.

بل إن المصالح الاقتصادية و عمليات التبادل التجاري نجحت في أن تُنافِسَ في حيويتها و أهميتها النواحيَ العسكرية، و مثال ذلك أن الجانب الإيطالي عرَفَ كيف يُطوِّع تشدُّدَه الديني لمصالحه الاقتصادية؛ ففي نهاية القرن الثاني عشر قدَّمَت البندقية يدَ العون للصليبين ضد صلاح الدين، و نقلت السلع - حتى الأسلحة - إلى المسلمين في مصر و الشام. و بيزا التي قدمت للفاطميين و الفرنجة المساعدة ضد صلاح الدين، لن تجد حرجًا في تقديم اليد نفسها للأيوبيين بعد انتصارهم، مثلما جرى مع البندقية [3].

و مع هذا التطور الذي أمْلَتْه الضرورات في النواحي الاقتصادية، كان لا بد من وجود تطور - و لو بدرجة متفاوتة - في النواحي الثقافية، و قد وقع هذا التطورُ - فعلًا - على النحو المصلحي الذي أشرنا إليه؛ فقد كيَّفت أوربا (الثقافة و العلوم) تكييفًا مصلحيًّا، لا علاقة له بالحق و لا بالموضوعية، و لا بإنصاف الآخر، بل حسْبُها أن تأخذ منه ما يفيدها - من جانب - و ما يحميها من الإسلام و المسلمين (الأعداء الثابتين) من جانب آخر.

و كما رأينا الجانب الإيطالي يُخضِع النواحي العسكرية للنواحي المصلحية و الاقتصادية؛ كما تدلنا الوقائع التي أشرنا إليها، و التي ذكرها كثيرون مثل (ميخائيل زابوروف) صاحب كتاب: (الصليبيون في الشرق)، و(قاسم عبده قاسم) في كتابه: (ماهية الحروب الصليبية)، و(ستيفن رنسيمان) في تاريخه للحروب الصليبية (الجزء الثالث).

كما فعل الصليبيون هذا، في النظرة التكييفية، على النواحي السياسية و العسكرية و الاقتصادية، و بالتالي الدينية الخاصة بهم، كذلك فعلوا في نقلهم - و تعلُّمهم - من المعارف الإسلامية؛ خضوعًا للعنصرية، و حفاظًا على حاجز نفسيٍّ و فكريٍّ بينهم و بين المسلمين - على حساب الحقائق - و لا ندري ما الفائدة منه! بل إن عواقبه كانت ضارة و وخيمة.

أجل، لقد حفَزَتِ الحروب الصليبية (الفرنجة) الهمجَ على التعلُّم من المسلمين، و قد اتسعت معرفتهم بما في العالم العربي من جغرافية بشرية، و تاريخ، و علوم؛ مما خلق عندهم نهضة في دراسة القانون، و الطب، و المنطق، و بدؤوا بتكوين نقابات من المدرسين أسَّسوا عليها فكرة الجامعة، و هكذا نشأت الجامعات من جامعة باريس إلى أكسفورد، و كمبردج، بدءًا من القرن الثاني عشر الميلادي.

كما اتسعت خبرة الصليبين و ثروتهم، و وقفوا على فنون الشرق و صناعته، و ما فيها من رونق و فن و دقة، و الراجح أن المستوى العام للمعيشة في الغرب - كما يشير إلى ذلك رنسيمان - لم يرتفع إلا بفضل رغبة العساكر و الحجاج العائدين في أن يلجؤوا في أوطانهم إلى محاكاة ما اشتهر به الشرق من مظاهر الحياة [4].

و أيضًا - كما يعترف (رنسيمان) - سيصبح الأوربيون - بفضل ما يأخذونه من المسلمين في الحروب الصليبية - قادرين على أن يميِّزوا بين السلوك، و أساليب الحياة الحضارية الإسلامية: (العلوم، و التقنيات، و الذهنيات، و التفلسف العربي و الإسلامي...)، و هذه يأخذونها، و قد يعترفون أحيانًا بفضلها، و قد لا يعترفون في أحيان أخرى كثيرة!! لكنهم - كما يؤكد (رنسيمان) - يظلُّون محافظين على جهلهم و عدائهم للإسلام و عقيدته (عقيدة التوحيد)، و هو ما يمثِّل ظلمًا تاريخيًّا و أخلاقيًّا كبيرًا.

و مع ذلك كله - يؤكد رنسيمان - على القيمة الحضارية للحوار أثناء فترة الحروب الصليبية، مشيرًا إلى أن هذه الفترة التي امتدت قرنين و نصف:

"من أهم مراحل التاريخ المؤثِّرة في المدَنية الغربية؛ إذ إن أوربا لم تكد تخرج من مرحلة غارات المتبربرين الطويلة الأمد، التي يُطلَق عليها العصور المظلِمة (العصور الوسطى)، حتى كانت - بفضل المسلمين - بَراعمُ ما نُطلِق عليه النهضة الأوربية تأخُذُ في الظهور"[5].

و نختم بالإشارة هنا إلى أن هذا التسامح و الانفتاح من المسلمين جزءٌ من دينهم؛ فهم دائمًا يفتحون ذراعيهم للحوار، و تجاهل آلام الماضي؛ متغاضين عن الظلم الذي يُعامَلون به، تاركين الأمرَ لمحكمة الله العادلة.



[1] شمس الدين الكيلاني: حقبة الحروب الصليبية، و الوضع على طرفي المجابهة التاريخية - مجلة الاجتهاد، عدد 18، بيروت.

[2] شمس الدين الكيلاني: المرجع السابق.

[3] الكيلاني: المرجع السابق.

[4] المرجع السابق.

[5] نقلًا عن المرجع السابق بتصرف.

قراءة 204 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 21 شباط/فبراير 2024 08:12

أضف تعليق


كود امني
تحديث