قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الثلاثاء, 20 كانون1/ديسمبر 2022 16:15

بعد «الميتافيرس»: هل يمكن الحديث اليوم عن إقطاعية تقنية؟

كتبه  الأستاذ محمد استانبولي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مرّت ميتا (أو فيسبوك سابقًا) بمرحلة متقلّبة في الآونة الأخيرة، شهدت أحداثًا عدّة، كتوقف التطبيقات التي تملكها الشركة لعدة ساعات، و الجدل الذي أثاره إعلان الشركة نيتها تطوير نسخة من تطبيق انستغرام للأطفال، و بالطبع التسريبات التي قدمتها الموظفة السابقة في الشركة فرانسيس هوغين، و التي لا تزال تبعاتها تتكشف حتى اليوم. 

خلال هذه الفترة المتقلّبة بالذات، أعلنت فيسبوك تغيير اسمها إلى «ميتا»، معلنة نيتها توسيع نطاق عملياته و الانتقال من الشاشات الصغيرة إلى بناء «ميتافيرس»، العالم الافتراضي المتكامل، الذي سيغير مستقبل العمل و التواصل و الترفيه و غير ذلك. 

بالطبع، أثار ذلك نقاشًا حول إذا ما كان الإعلان مجرّد محاولة لصرف النظر عن الجدل الذي أثارته الشركة في الآونة الأخيرة، أو ما يمكن تسميته «ضربة معلم» من جهاز العلاقات العامة لديها. و قد يحمل ذلك، من ناحية التوقيت، شيئًا من الصحة، إلا أن الصورة الأكبر لا يمكن تحليلها بالاعتماد على متغير واحدٍ كهذا، و ليست متعلقة بالشركة وحدها حقيقةً، بل بما يبدو أنه «الطبيعي» اليوم في السوق و بين الشركات الكبيرة، و الآثار المحتملة لذلك على المستقبل، و هو ما سنحاول النظر إليه في هذا المقال.

نظرة على المشهد العام

في السنوات الأخيرة، تعاظم الحديث عن تغير المنظومة الاقتصادية العالمية. بالنسبة للباحثة ماكينزي وارك في كتابها «رأس المال مات: هل القادم أمر أسوأ؟»، فإن التسليع لم يعد متعلقًا فقط بوقت عملنا، أو أوقات راحتنا التي ناضلت الحركات العمالية المنظمة لنيلها فيما مضى، بل صار مرتبطًا أيضًا بنزعتنا الاجتماعية و ميلنا لرواية قصصنا و مشاعرنا. فإلى جانب ملكية الأرض و وسائل الإنتاج التقليدية كالمصانع، ظهر امتلاك المعلومات و المسارات التي تنظم ذلك، منذ تجميعها و حتى تحديد طريقة استخدامها، بصرف النظر عن طبيعة هذه المعلومات. و بذلك، فإن هذا الشكل الاقتصادي الجديد يمتاز بفرادة من حيث اعتماده على الندرة، التي تتعلق بالموارد الطبيعية، مثل غيره من الأنظمة الاقتصادية، و على وفرة المعلومات من جهة أخرى، في الوقت ذاته. 

يشارك السياسي و الاقتصادي اليوناني يانيس فاروفاكيس هذه الرؤية، و يقول إن الأزمات الاقتصادية الأخيرة قد لا توصل الرأسمالية إلى نهايتها عبر حركة ثورية، بل مرورًا بسلسلة تغيّرات تدريجية، لتُستبدَل نهاية الأمر بنظام اقتصادي جديد أشبه ما يكون بإقطاعية تكنولوجية. يشير فاروفاكيس إلى عوارض تدعم مقولته، كتفاقم انعدام المساواة اليوم، و الانفصال الذي تعيشه الأسواق المالية عن الواقع و الاقتصاد. و ليست هذه الملاحظة جديدة، إذ إن الأسواق المالية لم تعد منذ زمنٍ تدل على صحة اقتصادٍ ما أو نموه، بفعل الهندسة المالية منذ ثمانينيات القرن الماضي. و شهد هذا الانفصال تزايدًا ملحوظًا منذ عام 2009، أي بعد عام من أزمة عام 2008 المالية، حين بدأ الارتفاع في أسعار الأسهم يتناقض كليًا مع نسب النمو البطيئة في الاقتصاد.

و كما يشير فاروفاكيس، فإن أزمة اقتصادية لن تؤدي بالضرورة إلى نهاية نظامٍ اقتصادي كالنيوليبرالية، رغم بعض التنبؤات التي تفاءلت باحتمالية حدوث ذلك عام 2008. فبعد كل شيء، تميّزت الرأسمالية بقدرتها على التحول و التغيّر المستمرين، و يدلل فاروفاكيس على ذلك بشاهدين؛ أولهما نهاية القرن التاسع عشر، مع ظهور الشركات الكبرى التي حوّلت الرأسمالية إلى شكلٍ أكثر احتكارية، و أحلت فورد و أديسون و كروب مكان الخبازين و اللحامين و غيرهم كمحركين لعجلة التاريخ. أما الثاني، و الذي بدأ سبعينيات القرن الماضي بعد نهاية اتفاق بريتون وودز، فأعطى الأولوية للقطاع المالي و مؤسسات وول ستريت.

و رغم أن كل تحولٍ ساهم في تراكم الأرباح عند قلةٍ استطاعت زيادة سيطرتها على الأسواق، حافظ النظام في المرحلتين السابقتين على مبدئه الرأسمالي المتمثل في جني الأرباح الخاصة حتى عام 2008، حين صارت مصارف الدول السبعة المركزية تعتمد على طباعة الأموال كحلٍ رئيسي، حتى صار الاقتصاد العالمي اليوم يعمل على توليد المصارف للعملات لا الأرباح الخاصة، كما يقول فاروفاكيس، و التي تستعملها الشركات لتعيد شراء أسهمها، التي انفصلت أسعارها عن الأرباح أيضًا، مفسحة المجال للمنصات الرقمية التي حلّت محلّ الأسواق المادية، لتجني الأرباح عبر العمل المجاني الذي يقوم به الجميع عندما يقدمون بياناتهم لهذه المنصات. 

قدّمت الظروف الاقتصادية و الاتجاه نحو «اقتصاد المعرفة» في السنوات الأخيرة إذن فرصةً للمنصات الرقمية، مثل أمازون و ألفابيت و أوبر و ميتا، للصعود و لعب أدوارٍ رئيسية. إلا أن جائحة كوفيد-19 ساعدت هذه المنصات و من يقفون خلفها بتجاوز أشواطٍ عديدة بزمن قصير، فعلاوة على كون هؤلاء من القلة الرابحة من التداعيات الاقتصادية للجائحة، ازداد الدور الذي تلعبه «الوساطة التقنية» في حيواتنا خلال هذه الفترة، و زاد الظرف من حدة الاستثمار في التكنولوجيا، و تعميق الفوارق. يخلص الباحث الأسترالي أليكساندر ووترز إلى أن استجابة الحكومات و حزم المساعدات التي رفعت أسعار أسهم الشركات بشكل مصطنع خلال الجائحة، و التي ستعمق في السنوات القادمة الفروق الطبقية، تبدو الوحيدة، مع غياب أي أشكال استجابة من اليسار. و على هذا الأساس، يخلص ووترز إلى ذات النتائج السابقة عن نهاية النيوليبرالية ربما، بفعل تتالي الأزمات التي فاقت قدرتها على الاستمرار، و مع غياب البدائل الأخرى يقترح ووترز أن التفكير بالشكل الإقطاعي لم يعد احتمالًا بعيدًا. و هنا يمكن طرح السؤال: ما الذي يجعل الشكل الجديد «إقطاعيًا»؟ في الحقيقة، تستند هذه المحاولة للتنبؤ بالمستقبل إلى عدة ركائز.

تعرّفوا على السادة الجدد

يعد النظام الاقتصادي للإقطاعية التكنولوجية واحدًا من العوامل المهمة التي تميّزها عن الرأسمالية. ففضلًا عن تربّع أشخاص مثل جيف بيزوس على قمة الهرم اليوم، و ازدياد صعوبة تحقيق أي حراك اجتماعي، يوضح ووترز أن النسبة بين ما يملكه هؤلاء و الإنسان العادي، تفوق اليوم تلك التي كانت بين كثير من الملوك أو الأباطرة و من خضعوا لهم، و ليس هذا التفاوت الشديد إلا مؤشرًا على المشكلة. و الواقع أن هذه النتيجة لم تحدث إلا عبر عملية تضاهيها في «رجعيتها». يمضي النظام الجديد وفق شكلٍ ما بعد رأسمالي، انتقل بعيدًا عن إنتاج السّلع الفيزيائية نحو الإنتاج غير المادي و المعلوماتي. و فيما يشبه مفهومي الأراضي «المشتركة» و«المسيجة» في العصر الإقطاعي، تنتج هذه المنصات مساحات مشتركة و مسيجة هي الأخرى، تكون فيها الأولى هي «المجانية» التي نستعملها و ننتج فيها البيانات بشكل دائم، و الثانية تلك المحمية اليوم بقوانين حقوق الملكية و مكافحة القرصنة، التي تدفع بها شركات الترفيه و الموسيقى و غيرها عادةً.

و لنوضح ذلك بمثال، في بدايات جائحة كوفيد-19 عملت شركة LogoGrab و مختبر Ghost Data الإيطاليين على تحليل الصور المنشورة على موقع إنستغرام، لفهم أنماط خرق التباعد الاجتماعي التي كان الشباب يقومون بها و تطوير طريقة استجابةٍ لها. و مع أن هذه الصور و البيانات كانت متوافرة بشكلٍ علني، منعت فيسبوك الشركتين و أوقفتهما عن العمل بسبب خوفها من استفادتهما ماديًا من بيع البيانات، وفقًا لمؤلفي كتاب «أسرع من المستقبل»، رغم تأكيد الشركتين أن هذه الخطوة غير ربحية، و تحاول الاستجابة لما كان حينها ظرفًا صحيًا كارثيًا في إيطاليا، و رغم الصورة العامة التي تحاول الشركة تقديمها عن مسؤوليتها الاجتماعية و دورها خلال الجائحة. أي أن كل ما قيل عن الظرف الطارئ حينها، و الوضع الذي جعل كثيرًا من الممنوعات مباحةً، لم يكن ينطبق على «ملكية» الشركة التي لم تكن تحت تهديدٍ أو منافسة في هذا المثال حتى، و على تضادٍ كامل مع ما اقتضته مصلحة «العامة» حينها.

يواجه «صانعو المحتوى» اليوم ذات المشكلة مع يوتيوب، إذ تحدد خوارزمية يوتيوب كثيرًا من المحتوى بوصفه استعمالًا غير مشروع لمواد أخرى، كالأغاني مثلًا، و توجه بالتالي ريع المحتوى المصنوع نحو «أصحاب الحق»، من شركات إنتاج و غيرها. و إذا عدنا إلى ماكينزي وارك، فإن القلق على «الخصوصية» ضمن هذا السياق يبدو ترفًا برجوازيًا؛ القلق الفعلي هنا يكمن في تبادل البيانات غير المتكافئ بين الحيّزين.

و بذلك، فإن «المنصة» التي تكون في حالة «أوبر» و«سبوتيفاي» و«إير بي إن بي»، شركات لا تمتلك فعليًا أي سيارة أو مقطوعة موسيقية أو منزل واحد حتى، تلعب دور وسيطٍ قوي عبر ملكية المنصة التي تشبه ملكية «الأرض» في النظام الإقطاعي، و تجبر ملايين المنتجين و المشترين على المرور عبرها، و تبني علاقات تبعية تصبح خلالها المالك الفعلي، لمجرد أنها تؤجر طرفي التعاقد السابقين منصتها. 

و لا يمكن لذلك أن ينجح دون أساليب تحكمٍ اجتماعي تضمن استقرارًا للوضع الناشئ في الحياة الحقيقية، و ثبات تدفق المعلومات افتراضيًا واتجاه هذا التدفق، أي المساهمة في «إعادة إنتاج أنماط الإنتاج الجديدة» هذه، وفقًا لووترز، الذي يشير أيضًا إلى أن التكنولوجيا اليوم توفر أنماطًا مختلفة من هذه الأساليب، كأنظمة و كاميرات المراقبة، التي تمارس دورها بشكلٍ مباشر و واضح، و أشكال أخرى أقل مباشرة كقوانين حقوق الملكية و أتمتة العمل و التاريخ الائتماني، الفردي و الجمعي، و التي تحد من قدرة الأفراد على الفعل. و قد يكون سيل البرامج و التقنيات التي طوّرت لمراقبة الموظفين أثناء العمل من المنزل خلال الجائحة دليلًا على هذا البعد. 

إن هذا الشكل سينتج بدوره علاقات طبقية جديدة، تختلف عن تلك التي نشأت في المصنع أو مكان العمل مثلًا. فاليوم، تعتبر فيسبوك و أمازون و ألفابيت من الشركات الأكثر تحقيقًا للأرباح بالنسبة للموظف الواحد. يتعلق ذلك بسياسات التوظيف الخاصة بهذه الشركات، ففي عام 2019، كانت غوغل تعتمد على أكثر من 120 ألف موظف مؤقت و متعاقد حر، مقابل 100 ألف موظف دائم، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز. نجد الأمر ذاته لدى شركات أخرى، مثل فيسبوك التي تعتمد على عددٍ هائل من المتعاقدين و العاملين لدى «أطراف ثالثة» لتأدية مهامٍ منهكة و معقدة، كإدارة المحتوى لديها و تدريب الذكاء الاصطناعي. 

يبدو هذا الشكل ثنائي الطبقات، حيث يحصل الموظفون الدائمون على امتيازاتٍ تعمل هذه الشركات على عرضها و تضخيمها، باعتبارها شركات مختلفة، مؤسسة من قبل رياديين برّاقين و يختلفون عن سابقيهم من رجال الأعمال، بينما يُترَك الباقين لمستقبلٍ مجهول، مع غياب كل أشكال الضمان و التعويضات التي يحصل عليها الموظف الدائم. و ضمن صراعهم مع «طغيان السلطة»، يحارب هؤلاء كل أشكال الضوابط التي تأسست سابقًا لحماية العمال، فرغم إظهارهم ميولًا ليبرالية و دعمهم لقضايا هنا و هناك، يقول 82% من أفراد النخبة هذه إن فصل الموظفين لا يزال صعبًا حتى اليوم، بينما يتخوف 74% منهم من قوة نقابات العمال. 

لا وجود للمصادفة إذن حين نسمع مرارًا أننا نعيش في زمن اقتصاد الأعمال المؤقتة (Gig Economy)، حيث تُعمَم أساليب الإنتاج هذه على بقية القطاعات، و تصبح السمة العامة للعمل، بكل ما فيها من انعدام الاستقرار الوظيفي -و المسميات الوظيفية أحيانًا- و العيش «تحت ضغطٍ يدفعنا لقبول حياةٍ من عدم الاستقرار و غياب الأمان الوظيفي و تأدية العديد من المهام غير المأجورة»، بكلمات بروفيسور الاقتصاد البريطاني غاي ستاندينغ في تعريفه لطبقة «البريكاريا» الناشئة عن هذا الشكل الجديد، و التي تختلف عن عمال المصانع، على سبيل المثال، بتشتتها، لأسبابٍ عدة، ابتداءً من غياب الأشكال التقليدية للتجمع و التي كانت سائدة في مكان العمل التقليدي، و انتهاءً بمعدل تغير الأعمال السريع و تبدله المستمر، و صعوبة صياغتها لوعيٍ طبقي أو مصالح مشتركة و مقارعة أرباب العمل، الذين -كما ذكرت سابقًا- لا يرتبطون أحيانًا بالعمال بشكل مباشر بسبب عقود «الأطراف الثالثة». 

إن آثار هذه الظاهرة لم يعد بالإمكان حصرها ضمن بلدٍ أو منطقة بعينها، فاليوم يمكن لأيّ كان أن يدخل إلى منصة «التركي الميكانيكي» (Mechanical Turk) التي تديرها أمازون، حيث يرتاح المشغلون من كل ضغوطات التفاوض على الأجور و يعرضون مهماتٍ شديدة الصغر لمن يشاء، مقابل سنتات أحيانًا، مجزئين العمل و المهام إلى عدد هائل من الأفراد يصعب معها الحديث عن تخصص أو مهنة حتى. إن ذلك، بالتوازي مع الفروقات الاقتصادية الهائلة بين دول العالم، يعيد إنتاج مكان العمل الاستغلالي (Sweatshop) بشكلٍ رقمي، و عوضًا عن صناعة حذاء نايكي أو منتج لأديداس في دولة نامية بتكاليف منخفضة بقصد بيعه في مكان آخر، يمكن اليوم لعملٍ في دولة متقدمة أن يعتمد على أخصائي سوشال ميديا في دولة نامية، ليدير له ظهوره و يتفاعل مع جمهوره، أو يمكن لشركة خاصة أن تجرّب تقنية جديدة في بلدٍ مهدد بالنزاعات بالتعاون مع منظمة إنسانية ما. 

و مع غياب إمكانيات المقاومة، يصبح الخلاص بشكلٍ طبيعي فرديًا، إذ يذكر جيمي وودكووك في كتابه «ماركس في الأركيد» قصص مجرّبي ألعاب الفيديو، و هي واحدة من وظائف «الدرجة الثانية» و التي لا تشبه بتاتًا ما يتصوره الإنسان عنها كوظيفة ممتعة، و يذكر أن السبب الوحيد لتحمل أعمالٍ شاقة كهذه يتعلق بأمل من يقومون بها بالانضمام لـ«نادي النخبة» يومًا ما، حيث تصبح الوظائف أكثر ديمومة و استقرارًا. و بشكلٍ أو بآخر، تصبح الترقية، أو الحلم بها، بديلًا للعدالة، إلى الحد الذي يدفع ووترز للاعتقاد أن ظهور نخب التكنولوجيا عامل مهم في فشل كثير من حركات الاحتجاج الشعبية اليوم، و يقتبس أحد مؤسسي حركة «احتلوا وول ستريت» الذي قال: «الاحتجاجات لم تعد تجدي نفعًا اليوم». فعلى عكس ما كان يجري في القرنين التاسع عشر و العشرين مع حركات العمال أو الحركات المناهضة للعنصرية أو التمييز الجنسي و غيرها، لا تجد هذه الحركات اليوم سبيلًا لربط الغضب و الاستياء بفعلٍ يمارس الضغط على النخب لانتزاع الحقوق منها. و هنا يمكن أن نلحظ أثر التشتت، و وسائل التحكم الأخرى، كالخوف من الفصل أو الاستبدال أو الأتمتة ضمن عالمٍ مثقل بالديون، على تثبيط الأفراد. 

ماذا يعني ذلك بالنسبة للدولة؟

رأينا سابقًا أوجه تشابه بين نظام «الإيجار» الذي تتبعه المنصات اليوم، و ذاك الذي كان سائدًا في النظام الإقطاعي، كما مررنا على شكل العلاقات الطبقية التي تتشكل اليوم مع شرط العمل شديد التغير. تحمل هذه النقلات في بعض تفاصيلها عكسًا لمكتسبات تبلورت بعد عقودٍ من المواجهة، خصيصًا فيما يتعلق بحقوق العمال، إلا أنها لا تقف عند هذا الحدّ بأي حال.

تصف مقالة في الواشنطن بوست المعركة الدائرة بين الحكومة الأمريكية و شركات التقانة الكبرى، و تعزو فشلها سابقًا إلى عاملٍ رئيسي هو نموذج عمل هذه الشركات التوسعي الذي يقيها من الضبط. و تذكر المقالة أن شركة مثل غوغل لم تعد مجرد محرك بحث، بل خدمة خرائط و محتكر لأنظمة تشغيل الهواتف مع آبل، و المالكة لـ8.5% من كابلات الإنترنت التي تغذي العالم، و بدأت الاستثمار في العالم الحقيقي عبر شركةٍ تهتم بالمواصلات و أخرى بالبنى التحتية، إضافة لامتداداتها في الدول النامية و محاولة احتكار البنى التحتية الرقمية فيها، و هي خطوات شبيهة لما تقوم به فيسبوك -التي أصدرت عملةً خاصة بها-، و مايكروسوفت أيضًا. و قد صعّدت هذه الشركات من حدة نشاطها هذا في العام الأول من الجائحة، بينما كان العالم يعاني اقتصاديًا. تبدو هذه الاستثمارات، بسبب طبيعتها الواسعة و خروجها عن مدى الخدمات الرئيسية التي تقدمها هذه الشركات و المبالغ التي تُنفَق عليها، أقرب لأن تكون شبيهة بتلك التي تقوم بها الحكومات أكثر من كونها مجرد استثمارات لشركات ضمن قطاعٍ معين، كما تقول الصحيفة، الأمر الذي يتطلب تصعيدًا في طرق مواجهتها و خططًا تشبه اليوم و تتعدى الضوابط شديدة التحديد، التي قد تتعلق بجزئية مفصلة، كشريط البحث مثلًا، و تعترف بالطموحات المختلفة و التوسعية لهذه الشركات لتستطيع مقارعتها اليوم.

لا يشارك الجميع بهذا الرأي، إذ يرى البعض، كستيفن والت في مجلة الفورين بوليسي، أن الغلبة ستظل من نصيب الحكومات و الدول القومية في هذا الصراع الذي بدأ مؤخرًا. و يستند ذلك إلى نقطتين رئيسيتين؛ أولهما غلبة «المادي» على الرقمي، حيث يبقي الأول الحياة الممكنة و لا يمكن تخيلها دونه، بينما يساهم الثاني في «تحسينها» و لا يستطيع الاستمرار دون الحيز المادي. ثاني هذه النقاط يتعلق بمفهوم الحكومة، إذ إن تحذيراتٍ شبيهة صدرت من عدة مفكرين مع ظهور الشركات متعددة الجنسيات، التي كان بعضها شديد الاحتكارية، لتخضع نهاية الأمر إلى نوعٍ من الضوابط الحكومية التي لن تتمكن الشركات من العمل خارج أطرها، لكون القوانين و المؤسسات تتطور هي الأخرى. و رغم أن معركة ضبط هذه الشركات ستختلف عن تلك التي كانت تجري سابقًا، إلا أنها ليست مستحيلة وفقًا للكاتب، الذي يقدم خطوات الصين في هذا المجال مثالًا، و ينطلق من إجماعٍ داخل الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة على ضبط هذه الشركات، ليؤكد إمكانية ذلك.

و رغم أن التشنج بدأ يشوب العلاقة بين الحكومات و شركات التقانة، إلا أن هذه العلاقة مرّت بمراحل مختلفة، و بعضها كان أكثر ودًا. إذ تعاون الطرفان سابقًا في «الحروب ضد الإرهاب» و عقود الدفاع، التي أكسبت شركات التقانة الكبرى مًا تفوق قيمته 43 مليار دولار، بينما قدمت دول أخرى تسهيلات ضريبية و غيرها لجذب استثمارات هذه الشركات، و لمّا حاول جيف بيزوس الصيف الماضي الظهور بمظهر بطل «تقدمي» عبر رفضه التعامل مع الزبائن العنصريين على خلفية تأييده لحركة «حيوات السود مهمة»، كانت أمازون تتعاون تقنيًا مع الشرطة الأمريكية و وكالة إنفاذ قوانين الهجرة و الجمارك ذائعة الصيت خلال فترة رئاسة ترامب، و التي وصِفت أمازون بعمودها الفقري، و لا شك أن المشاركة ضمن قطاع كالدفاع سينعكس على الثقل السياسي لهذه الشركات و مكانتها.

لا ينحصر هذا الأثر إذن بالدول المتقدمة، بل يمتد إلى كل أجزاء العالم، و إن كان ذلك -مثل مراحل «التطور» السابقة- محكومًا بتفاوتات معينة، و أدوارٍ مختلفة تلعبها أجزاء العالم ضمن المنظومة. فاليوم، يتوقع لمشروع  2africa الذي تموله فيسبوك و شركات اتصال أخرى أن يكون واحدًا من أكبر مشاريع الوصل بالإنترنت في العالم. في نفس الوقت، لا يمكن إغفال حضور شركات كبرى مثل «علي بابا» و«تينسنت» الصينيتين في مشروع طريق الحرير الرقمي الذي تعمل عليه الصين، و يشكل جزءًا من مشروع الحزام و الطريق الخاص بها.

يدفع هذا بالبعض للاعتقاد بدورٍ أقل أهمية للحدود القومية للدول في المستقبل، فمع تركز القوى و الاستقلالية لدى لاعبين محدودين، ينتج تداخل السلطات بين اللاعبين الدوليين و القوى المحلية أو القومية، و يضعف معه الاستقلال و دور الحكومات و الحدود. و إن كان هذا التنبؤ بالمستقبل يشبه الماضي في شيءٍ، فهو الأهمية المنخفضة للحدود ضمن النظام الإقطاعي، الذي لم تقم الدول القومية إلا على أنقاضه.

يمكننا بعد هذا التقديم أن نعود إلى «الميتافيرس». يجسد هذا التصور للمستقبل، و المشحون بكثير من الكلام عن التغيير و العالم الأفضل، أسبابًا تدعو للقلق، ربما لأن ما تقوله في النهاية هو أن عملك و لهوك و استراحتك و غيرها لن تكون خارج أسوار «مزرعة» المالك، إن استعرنا شيئًا من التاريخ. و لكيلا يبدو الموضوع متعلقًا بالشركة بحد ذاتها، ما علينا سوى النظر إلى أن مايكروسوفت بدأت هي الأخرى التفكير بـ«الميتافيرس» الخاص بها، و إن صدقت التوقعات السابقة فإن العلامة التجارية للمسيطر ستكون واحدة من مشاكلنا الثانوية.

تقول البروفيسورة الأمريكية جودي دين في مقالٍ لها إن الحديث عن إقطاعية جديدة اليوم يخدم غايات عدة، و ليس محصورًا حقيقةً بأولئك الذين على اليسار، إذ إن الهجوم على الإقطاعية الجديدة يرتبط لدى الكثيرين على اليمين بعودة و تشجيع «القطاعات الموظفة»، كشركات الوقود الأحفوري و التطوير العقاري و شركات الزراعة الكبرى، و ترى أن هذه النخب الجديدة تهدد الطبقة الوسطى، و جلّ ما تسعى إليه هو إعادة الأمور إلى الوراء بضع خطوات، و هو أمر لا يمكن تحمّله اليوم مع كل التحذيرات عن الكارثة البيئية التي تحدق بنا، و ضرورة التحرك لتداركها. أما على اليسار، فإن ذلك سيعني مراجعة الحلول المقترحة اليوم، و التي يعيب عليها شدة محليتها و تواضع حجمها، و تركيزها على المشكلة الرئيسية المتمثلة بالاقتصاد، التي استفاد منها اليمين المتطرف مع ضعف اليسار، أو تغييبه، و أنتجت سياساتٍ و برامج رجعية تثبت علاقة التحول نحو هذا الشكل الاقتصادي بالمؤسسات و المناخ السياسيين اليوم، و هو ما يشبه المقولة التي ينطلق منها ووترز في بحثه، بأن التاريخ اليوم يتحرك في الآن ذاته نحو مزيد من التقدم التكنولوجي و التراجع السياسي.

و إذا كانت طبقة المدراء التنفيذيين التي نعرفها اليوم قد قامت على رؤى طوباوية ليبرتارية تبشر بأن الإنترنت سيجلب معه حريةً أكبر و حلًا سحريًا، كما يقول ريتشارد باربروك في مقالته الشهيرة «الأيديولوجية الكاليفورنية»، فإن هذه الرؤى تبدو بعيدة جدًا اليوم.

قد لا تنقذنا التكنولوجيا بحد ذاتها و قد لا تودي بنا، لأن الرهان الكامل عليها، و الإفراط بالتفاؤل بها أو الرهاب منها يغفلان في الوقت ذاته البعد السياسي لهذا الحقل، الذي صار البعض يتعامل معه على أنه يتطور خارج حدود الزمن و السياسة، و كأنه قد انفصل عنهما حقًا. على العكس، يمكن القول إن أي رؤية راديكالية تطمح ببناء عالمٍ أفضل لا بدّ أن تعتمد على الإمكانات التي توفرها التكنولوجيا، و قد يكون البحث عن هذه الرؤى الجديدة التي تلائم اليوم، بكل ما تغيّر فيه، و ببعض معطياته الحساسة كالأزمة البيئية، نقطة انطلاقٍ جيدة، لأن الحاجة إليها من الآن فصاعدًا ستصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.

الرابط : https://www.7iber.com/technology/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%aa%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%b1%d8%b3-%d8%a5%d9%82%d8%b7%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d9%82%d9%86%d9%8a%d8%a9/

قراءة 495 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 21 كانون1/ديسمبر 2022 07:42

أضف تعليق


كود امني
تحديث