قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأحد, 31 آذار/مارس 2024 08:43

تأثيرات حرب غزة على قضية الانتشار النووي

كتبه  الأستاذ السيد صدقي عابدين
قيم الموضوع
(0 أصوات)

قد يقول قائل كيف تكون لحرب غزة المتواصلة منذ السابع من أكتوبر 2023 و حتى الآن مخرجات نووية و لم يكن السلاح النووي ضمن ما استخدم في هذه الحرب. و قد يقول آخر ربما المقصود المقارنة بين القوة التدميرية للقنابل و الصواريخ و الطلقات التي ألقيت و أطلقت على غزة طوال فترة العدوان الإسرائيلي المتواصل، و بين القوة التدميرية لإحدى القنبلتين النوويتين اللتين ألقيتا على مدينتي هيروشيما و نجازاكي اليابانيتين في نهاية الحرب العالمية الثانية أو حتى لكليهما معاً.

بالفعل لم يستخدم السلاح النووي في حرب غزة، و بالفعل هناك من قارن بين ما يحدث في غزة و ما حدث في هيروشيما و نجازاكي مستخدمين مؤشرات. لكن لا هذا و لا ذاك هو المقصود هنا. و من ثم يصبح السؤال ما المقصود إذن؟

المقصود هو ما أحدثته حرب غزة من تفاعلات تخص قضية الانتشار النووي في الشرق الأوسط، و حالة الاستثناء الإسرائيلي من التزامات النظام العالمي لمنع الانتشار النووي على الرغم من كل القرارات الدولية المطالبة بخضوع إسرائيل لنظام الضمانات الشامل الذي تطبقه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، و من ثم العمل على إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.

الذي ألقى الضوء على هذه القضية بتشعباتها الكثيرة و المعقدة و الغامضة في ذات الوقت تصريح وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، في 5 نوفمبر الماضي، الذي قال فيه أن "إلقاء قنبلة نووية على غزة هو حل ممكن"، مضيفاً أن "قطاع غزة يجب ألا يبقى على وجه الأرض".

هذا التصريح كانت له ردود فعل حتى داخل إسرائيل ذاتها. و في الخارج كانت ردود الفعل واسعة. و على الصعيد العربي انعكس الأمر في مقررات القمة العربية الإسلامية في الرياض. و من ثم تحركت المجموعتان العربية و الإسلامية لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما أن جنوب أفريقيا قد أشارت إلى تصريحات الوزير الإسرائيلي تلك و هي تحاول إثبات ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية في حق الفلسطينيين أمام محكمة العدل الدولية.

إعادة تسليط الضوء على الاستثناء النووي الإسرائيلي

تمثل إسرائيل حالة استثنائية، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، و إنما بالنسبة لسياستها النووية. فإسرائيل هي الدولة الوحيدة غير العضو في معاهدة منع الانتشار النووي من بين دول منطقة الشرق الأوسط. هذه المعاهدة التي تمثل العمود الفقري للنظام الدولي لمنع الانتشار النووي.

و على صعيد القدرات النووية الإسرائيلية، فإن سياسة الغموض ظلت متبعة لعقود، على الرغم من أن هناك تأكيدات كثيرة من قبل مختصين بأن إسرائيل لديها ترسانة نووية، بما في ذلك الأمريكيين، حيث أن اتحاد علماء الذرة الأمريكيين ذهب إلى أن إسرائيل تمتلك ما مجموعه تسعين قنبلة نووية، فيما ذهب معهد استكهولم للسلام إلى أن هناك  خمسين رأس نووي في وضع الإطلاق (1). و هناك تقديرات أخرى ترفع عدد ما تمتلكه إسرائيل من أسلحة نووية إلى ما يتراوح بين 200 إلى 300 رأس نووي، بل إن هناك من رفع العدد إلى 500 رأس نووي (2).

و على الرغم من كل ذلك، فإن إسرائيل لا تنفي و لا تؤكد و تترك الأمر في باب التكهنات. و هذا مقصود و يخدم أهدافاً استراتيجية. كما أنها لم تتعرض لضغوط دولية كافية حتى يتم إجلاء هذا الأمر اختياراً أو جبراً. مع العلم بأن الجبر قد اتبع مع حالات أقل بكثير مما عليه الحالة الإسرائيلية. و الأكثر من ذلك أن هذا الجبر قد ثبت في حالة على الأقل أنه بنى على معلومات مغلوطة و ملفقة كما هو في حالة العراق. و العراق تحديداً كانت قد تعرضت منشآتها النووية السلمية لعدوان إسرائيلي في العام 1981. و قد أدان مجلس الأمن الدولي هذا العدوان بأشد العبارات في قراره رقم 487 الصادر في 19 يونيو من العام 1981 معتبراً أن ما قامت به إسرائيل يمثل "تهديداً خطيراً لكامل نظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية". و في ذات الوقت طالب القرار إسرائيل بضرورة وضع منشآتها النووية تحت إشراف الوكالة (3)، و هو ما لم يحدث حتى الآن.

السلوك الإسرائيلي الجامح ضد القدرات النووية لدول المنطقة لم يقف عند ما قامت به حيال العراق، بل إن هناك تهديدات متواصلة بالقيام بالأمر ذاته تجاه إيران على الرغم من كل الجهود الدولية المتواصلة من أجل تسوية الملف النووي الإيراني بطرق سلمية، علماً بأن إيران عضو في معاهدة منع الانتشار النووي، و تقوم سياستها الرسمية المعلنة على عدم السعي لامتلاك أسلحة نووية.

جاءت تصريحات وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو عندما طرح خيار استخدام السلاح النووي ضد قطاع غزة لكي تعيد طرح أسئلة كثيرة كان قد خفت الحديث عنها. من بين هذه الأسئلة ما يتعلق بسياسة الغموض النووي. فها هو مسئول إسرائيلي رفيع يتحدث صراحة عن استخدام السلاح النووي. و بغض النظر عن كل الاعتبارات التي يمكن أن تثار هنا، فإن الاعتبار الأهم المعني هو أن المسئول الإسرائيلي لا يمكن أن يتحدث عن استخدام سلاح غير موجود. و من هذا الباب قد تفهم المواقف الإسرائيلية المنتقدة لتصريحات الوزير الإسرائيلي، من حيث كونها تضر بالموقف الرسمي الإسرائيلي و تجلب عليها تداعيات أكثر من انطلاقها من الشفقة بالفلسطينيين أو الحرص على حياتهم. إذ أن كل الشواهد تبرهن على ما هو عكس ذلك. و في هذا الإطار، فقد بلغت الانتقادات الداخلية أقساها من قبل يائير لبيد زعيم المعارضة الإسرائيلية عندما وصف تصريح وزير التراث الإسرائيلي هذا بأنه "صادم و مجنون و صدر عن وزير غير مسئول"(4).

هذه المفردات و إن كانت قاسية في وصفها لتصريحات الوزير الإسرائيلي، إلا أنها من الممكن أن يتم تأويلها على أكثر من محمل، من بينها أن كونه صادماً ناجم عن الجرأة في الإعلان عما لا ينبغي الإعلان عنه، و كونه مجنوناً ناجم عن أن ضرره على إسرائيل أكثر من نفعه، و من هنا كان وصف الوزير بأنه غير مسئول. و لربما كانت تعقيبات وزير الدفاع يوآف جالانت واضحة في هذا المسار عندما قال: "من الجيد أن هؤلاء الأشخاص ليسوا المسئولين عن أمن إسرائيل"(5). و معلوم أن جالانت صاحب قرار حرمان غزة من كل أسباب الحياة. فهو الذي قال صراحة: "لقد أعطيت أمراً: غزة ستكون تحت حصار تام. لا كهرباء، لا طعام، لا وقود، كل شيء مغلق"(6). و بحكم منصبه فهو من أعطى كل قرارات القتل و التخريب و التدمير المتواصل.

هذا الأمر يعيد النقاش إلى نقطة أنه لو لم تكن إسرائيل تمتلك هذا السلاح أو لديها الرغبة في امتلاكه لانضمت إلى اتفاقية منع الانتشار النووي، و لانصاعت لكل القرارات الدولية التي تطالبها بضرورة إخضاع كل منشآتها لنظام الضمانات الذي تقوم على تطبيقه الوكالة الدولية للطاقة الذرية. و كذلك لرحبت بمبادرة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في المنطقة. لكن السلوك الإسرائيلي يسير عكس هذه المسارات الثلاث. فهي لم تنضم إلى الاتفاقية، و لم تعلن نيتها فعل ذلك. كما أن نظام الضمانات لا يطبق على كل منشآتها النووية. ناهيك عن وقوفها بالمرصاد للجهود الرامية إلى إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية.

و الأكثر من ذلك أنها ترفض أي مناقشة لملفها النووي حتى في المؤسسة المعنية بالشأن النووي العالمي ممثلة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية. و من أحدث الأمثلة على ذلك، و قبل شهور قليلة من عدوانها على غزة و تحديداً في شهر يوليو من العام 2023 اعترضت إسرائيل رسمياً على مناقشة الدورة السابعة و الستين للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف قدراتها النووية. و قد اعتبرت أن مثل هذه المناقشة بمثابة "إثقال على المؤتمر العام بالأعباء و إعاقة سير أعماله و تشتيت انتباهه". ليس هذا فحسب بل إنها ذهبت إلى أن استبعاد مناقشة ملفها النووي من شأنه "أن يسمح للوكالة و دولها الأعضاء بتوجيه الاهتمام اللازم و الموارد اللازمة نحو التحديات العالمية التي تواجهها الوكالة". و كأن إسرائيل و قدراتها النووية ليست من بين هذه التحديات. ليس هذا فحسب بل إنها طالبت الوكالة بالتركيز على قضايا الانتشار النووي الأخرى في منطقة الشرق الأوسط ذاتها معتبرة أن من بين دول المنطقة من هو "في حالة انتهاك مستمر لواجباتها و التزاماتها الدولية، و تواصل الحصول على أسلحة دمار شامل محظورة مع العمل على إعاقة الجهود التي تبذلها الوكالة في هذا الصدد". لم تقف الحجج الإسرائيلية ضد مجرد إدراج بند خاص بمناقشة قدراتها النووية عند ذلك بل إنها اعتبرت أن المجموعة العربية في الوكالة الدولية تتبع نهجاً "مثيراً للنزاع و متحيزاً و معيباً من أساسه" كما أنها اعتبرت أن الطلب العربي "يقع كلياً خارج نطاق النظام الأساسي للوكالة و ولايتها، و لا علاقة له بجدول أعمال المؤتمر العام، و ينال من مصداقية الوكالة بوصفها منظمة مهنية"(7).

من الواضح أن إسرائيل تريد تحصيناً لملفها النووي من مجرد المناقشة. ثم يأتي وزير إسرائيلي و يقولها صراحة إن استخدام السلاح النووي خيار متاح. إذن فمثل هذا التصريح يمكن أن يكون أحد المداخل لهدم كل المنظور الإسرائيلي فيما يتعلق بما يمكن تسميته "الكهف النووي" في ظل سياسة الغموض القائمة.

تصريحات وزير التراث الإسرائيلي جاءت قبل أيام من انعقاد الدورة الرابعة لمؤتمر إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية في الفترة من 13 إلى 17 نوفمبر 2023. و من ثم فإن تأكيدات ممثلة الأمم المتحدة السامية لشئون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو في افتتاح المؤتمر على أن "أي تهديد باستخدام الأسلحة النووية غير مقبول"(8)، بدا و كأنها رد مباشر على التصريحات الإسرائيلية. و على عكس المنطق الإسرائيلي، فإن المسئولة الأممية اعتبرت أن الوصول بالشرق الأوسط ليصبح منطقة خالية من الأسلحة النووية و غيرها من أسلحة الدمار الشامل من شأنه أن "يسهم بشكل كبير ليس في عملية نزع السلاح و عدم الانتشار على الصعيد العالمي فحسب، و إنما أيضاً في السلام و الأمن في الشرق الأوسط و خارجه"(9). و هذا ما يطرح السؤال حول ما إذا كانت إسرائيل تريد سلاماً و أمناً و هي من تريد تهجير الفلسطينيين و إبادتهم و لو وصل الأمر إلى استخدام السلاح النووي طبقاً لأحد مسئوليها؟ و لا غرو إذن أن تدرج جنوب أفريقيا التصريحات الإسرائيلية على هذا الصعيد ضمن ترسانة تصريحات المسئولين الإسرائيليين التي لا يمكن أن تعبر عن سلام و أمن و استقرار في المنطقة، بل من شأنها كما ذهبت جنوب أفريقيا، أن تؤدي إلى ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين (10).

زخم دولي جديد لمبادرة إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية

التصريحات الإسرائيلية و الظرف الإقليمي و الدولي المحيط أنتج زخماً دولياً متزايداً حول خطورة الاستثناء النووي الإسرائيلي. و هذا ما أشارت إليه الكثير من دول العالم. و على رأس هذه الدول دول منطقة الشرق الأوسط ذاتها. و قد انعكس الأمر ليس فقط في تصريحات كبار المسئولين، و إنما تمثل ذلك في بنود قرارات صدرت عن قمم من قبيل القمة العربية الإسلامية في الرياض. إذ نص البند الثالث و العشرين من البيان الختامي للقمة التي عقدت في الحادي عشر من نوفمبر 2023 على "إدانة أفعال و تصريحات الكراهية المتطرفة و العنصرية لوزراء في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها تهديد أحد هؤلاء الوزراء باستخدام السلاح النووي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، و اعتبارها خطراً على الأمن و السلم الدوليين، ما يوجب دعم مؤتمر إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية و كافة أسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط المنعقد في إطار الأمم المتحدة و أهدافه للتصدي لهذا التهديد" (11).

هذا المضمون نقل في رسالتين منفصلتين الأولى باسم المجموعة العربية، و الثانية باسم الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية و منظمة التعاون الإسلامي إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ففي الحادي و العشرين من نوفمبر 2023 تقدمت الإمارات العربية المتحدة باسم المجموعة العربية برسالة إلى المدير العام للوكالة رفائيل جروسي تتعلق بـ"المخاطر التي تمثلها القدرات النووية الإسرائيلية، و لا سيما على خلفية التطورات الأخيرة ذات الصلة".

الرسالة تضمنت سبعة بنود، أولها يوصف السلوك الإسرائيلي، و مدى ارتباطه بدور الوكالة، حيث اعتبرت المجموعة العربية الأمر "بالغ الخطورة يتصل بولاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

البند الثاني ذهب إلى أن المجموعة العربية في استهجانها للتصريحات الإسرائيلية لم تكن استثناء من ردود الفعل الدولية نظراً لأن هذه التصريحات "بالغة الخطورة و المفاجئة و غير المسبوقة"، حيث أن "أي استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية من جانب أي طرف وتحت أي ظرف هو تهديد خطير للسلم و الأمن الإقليمي و الدولي، و انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي، و هدم ممنهج للمنظومة الدولية لنزع السلاح و عدم الانتشار النووي".

البند الثالث تضمن شقين: أولهما خاص بإدانة التصريحات الإسرائيلية بأشد العبارات و وصفها بـ"العدوانية و الإجرامية". و كذلك إدانة استخدام أو التهديد باستخدام هذا النوع من الأسلحة "من جانب أي طرف و تحت أي ظرف". بينما شدد ثانيهما على أن "الوسيلة الوحيدة لمواجهة مخاطر استخدام الأسلحة النووية هي التخلص التام منها بشكل قابل للتحقق الدولي و لا رجعة فيه".

رابع البنود تضمن مطالب عربية واضحة بخصوص تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة و منها القرار 487، و الذي طالب إسرائيل في أحد مقرراته السبعة أيضاً بأن "تضع فوراً منشآتها النووية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية". لاحظ أن هذا كان في العام 1981، و كذلك القرار 687 الصادر في أبريل 1991، و الذي كان ضمن بنوده التأكيد على إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية و أسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط.

كما طالبت المجموعة العربية بضرورة تنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بكل من المنطقة الخالية من الأسلحة النووية، و مخاطر انتشار الأسلحة النووية في المنطقة.

المجموعة العربية شددت في البند الخامس على "عدم إمكانية استمرار الوضع الحالي الذي تظل فيه إسرائيل خارج معاهدة عدم الانتشار النووي"، و من ثم فإن الدول العربية ترفض إصرار إسرائيل "على عدم إخضاع كافة منشآتها النووية لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

طالبت المجموعة العربية في البند السادس المدير العام للوكالة و أجهزة صنع السياسات فيها بأمرين محددين: الأول يتمثل في "اتخاذ موقف عملي و واضح من هذا التطور المقلق و الخطير". و الثاني خاص بالإجراءات العملية واجبة الاتخاذ حتى يتم تنفيذ القرارات الدولية المعنية، بما فيها قرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية سواء تعلقت بإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية و أسلحة الدمار الأخرى أو بالقدرات النووية الإسرائيلية.

رسالة المجموعة العربية ختمت في بندها السابع بالتأكيد على احتفاظ الدول العربية "بحقها في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للتعامل مع التهديد الذي تمثله القدرات النووية الإسرائيلية من خلال مختلف أجهزة صنع القرار بالوكالة". و كذلك إبقاء الأمر "قيد المتابعة ضمن أجهزة صنع السياسات في الوكالة الدولية للطاقة الذرية" (12).

بعد ثلاثة أسابيع من رسالة المجموعة العربية تقدمت المملكة العربية السعودية بمذكرة إلى الوكالة في الخامس عشر من ديسمبر 2023 نيابة عن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي و أعضاء جامعة الدول العربية، حيث اعتبرت الرسالة تصريحات الوزير الإسرائيلي بمثابة "تهديد و تحريض على ارتكاب الجريمة البشعة المتمثلة في استخدام سلاح نووي ضد السكان المدنيين الأبرياء"، بالإضافة إلى اعتبار الأمر "يشكل عائقاً أمام الهدف النهائي المتمثل في عالم خالٍ من الأسلحة النووية، نظراً لأنه يجسد تجاهل إسرائيل الكامل للنظام الدولي لنزع السلاح و عدم الانتشار النووي"

هذا التجاهل الإسرائيلي هو استمرار لسياسة إسرائيلية قائمة على "التجاهل التام للقانون الدولي" و أن هذه السياسة قد بلغت ذروتها في المأساة الماثلة في غزة. ما صرح به المسئول الإسرائيلي "ينبغي أن يكون دافعاً للمجتمع الدولي، و تحديداً الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لاتخاذ الخطوات اللازمة لتصحيح هذا الوضع".

و قد ختمت الرسالة بمطالب محددة للمدير العام للوكالة تتمثل في: دعوة إسرائيل للانضمام بشكل عاجل إلى معاهدة منع الانتشار النووي بصفتها دولة غير حائزة للسلاح النووي. و أن يتم إخضاع جميع منشآتها النووية لنظام ضمانات الوكالة. و لم تغفل الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي و جامعة الدول العربية الإشارة إلى القرارات الدولية المعنية أيضاً(13).

على الصعيد الدولي، كان لافتاً الموقف الصيني الذي عبر عن الصدمة و القلق من التصريحات الإسرائيلية. و قد اعتبر قنج شوانج نائب المندوب الدائم للصين في الأمم المتحدة أن "هذا النوع من التصريحات مدان عالمياً. إنه أمر غير مسئول و مثير للقلق للغاية. إن مثل هذه التصريحات تتعارض مع الإجماع الدولي بأنه لا يمكن الفوز بحرب نووية و لا يجب خوضها، و تتعارض مع الدعوات الدولية القوية لخفض التصعيد و وقف الأعمال العدائية و حماية المدنيين". و قد سارت الصين على نفس درب الدول العربية من حيث مطالبة إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي، مع إخضاع كل منشآتها النووية لنظام الضمانات الخاص بالوكالة. كما أنها تؤيد إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية و كافة أسلحة الدمار الشامل معتقدة أنها "ستساعد في الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، و الحفاظ على سلطة و فعالية النظام الدولي لعدم الانتشار، و الحد من مخاطر سباق التسلح و الصراع، و بالتالي توفير آلية مهمة للحفاظ على السلام و الأمن الإقليميين على المدى الطويل"(14).

ماذا بعد؟

لا يمكن فصل ما بعد عن ما قبل في هذه القضية. فإذا كانت القضية قد عادت إلى الواجهة في ظل هذه الحرب المتواصلة على غزة، و التي تخللتها تصريحات المسئولين الإسرائيليين المتوالية بما فيها التصريحات المتعلقة بالشق النووي، فإنه ليس ثمة ضمانة لأن يستمر ذلك إلا إذا ظلت الدول المعنية بأمن منطقة الشرق الأوسط و استقراره و المعنية بقضايا منع الانتشار النووي و من ثم الأمن و الاستقرار العالمي تضع القضية على جدول أعمالها. إذن فالقضية عالمية بامتياز قبل أن تكون عربية و إسلامية و فلسطينية. و هي فلسطينية و عربية و إسلامية قبل أن تكون عالمية أيضاً.

هذه القضية التي ظلت على رأس أولويات الدول العربية التي دفعت بها على أجندة المنظمات الدولية المعنية جاءت فترة من الفترات شهدت غضاً للطرف عنها وفي فترة أخرى تخفيفاً للهجة المستخدمة في طرح القضية، ظناً في الحالة الأولى في "حسن النوايا" التي رافقت انعقاد مؤتمر مدريد للسلام. ففي العام 1992 على سبيل المثال لم تتقدم الدول العربية بمشروع القرار الذي اعتادت التقدم به تحت عنوان "القدرات  النووية الإسرائيلية و الخطر النووي الإسرائيلي". كما أنها في العام 2008 عدلت من صيغة عنوان القرار ليتحول إلى "القدرات النووية الإسرائيلية" بعد أن كان "القدرات النووية الإسرائيلية و مخاطرها" (15)، و مع ذلك فإن إسرائيل ترفض أي مناقشة للأمر.

واضح أن مسألة حسن النوايا و الموائمات لا تجدي في مثل هذه القضايا التي تتعلق بالأمن القومي الوجودي. ليس هذا فقط، بل إنها تؤدي إلى مزيد من تجرؤ الطرف الآخر خاصة في ظل الحماية أو حتى الصمت الدولي، و خاصة الأمريكي و الغربي تحت لافتة الدفاع عن النفس.

التجرؤ يصل إلى درجة المطالبة بإلغاء قرارات دولية مر على إقرارها سنوات كما حدث مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية. و ليت الأمر يقف عند أمر القرارات الدولية، بل إنه ينتقل إلى إلقاء التهم على أطراف عربية بخصوص ما يتعرض له الشعب الفلسطيني رغم أن العالم كله شاهد على ما يحدث. و من ذلك ما فعلته إسرائيل في مرافعتها أمام محكمة العدل الدولية عندما حاولت التملص من مسئوليتها عن تأخير أو منع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

لا يمكن إلا أن تكون قضية القدرات النووية الإسرائيلية و مخاطرها على رأس قضايا النقاش في أي مفاوضات مستقبلية سواء في الصيغ الثنائية أو متعددة الأطراف. و ينبغي ربط أي تطور في قضايا أخرى بتلك القضية. فسياسة الاعتماد على الوعود قد تصل بالأمور إلى اللاشيء. و ها هي عملية السلام و المصير الذي آلت إليه ماثلة. فلم تعد إسرائيل تقبل بمجرد الحديث عن حل الدولتين. و هذا نهج كشفت عنه مؤشرات كثيرة من بينها التصدي الإسرائيلي لأي محاولة لإثبات الوجود الفلسطيني في المنظمات الدولية، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث تعترض إسرائيل على إدراج بند خاص بوضع فلسطين في الوكالة. و في المؤتمر العام الأخير اعترضت إسرائيل على الطلب العربي بإدراج هذا البند معتبرة أن الدول العربية "تستورد مسائل غير مادية إلى المناقشات المهنية". ليس هذا فحسب بل إنها تذهب إلى اعتبار أي قرار يتخذه المؤتمر العام للوكالة بخصوص هذا الموضوع "ذا طابع إعلاني فقط، و لن يكون له أي أثر موضوعي"(16).

من الواضح أن إسرائيل تريد أن تمتنع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن أي مناقشة لبرنامجها النووي، و في ذات الوقت لا تقترب من مسألة الوجود الفلسطيني في تلك المنظمة الدولية. و هي تقولها صريحة للدول العربية: كفوا عن هذا الأمر بشقيه.

إذا كانت غزة قد هددت اليوم بالأسلحة النووية الإسرائيلية، ففي الغد قد يكون هناك ما هو أبعد من غزة. و ما هو تهديد قد يتحول إلى واقع خاصة في ظل الظرف الدولي الآخذ بالتراجع فيما يتعلق بقضايا الانتشار النووي سواء على صعيد سياسات القوى العظمى النووية، أو حتى على صعيد الدول التي امتلكت السلاح النووي بالمخالفة لأحكام اتفاقية منع الانتشار النووي.


1- هل تمتلك إسرائيل أسلحة نووية؟، سبوتنيك عربي، 5 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي:

https://sputnikarabic.ae/20231105/

2- القدرات النووية الإسرائيلية: حقائق ومغالطات، صحيفة الرأي الأردنية، 4 سبتمبر 2005، متاح على الرابط التالي: https://alrai.com/article/30264/

3- انظر نص قرار مجلس الأمن رقم 487 بتاريخ 19 يونيو (حزيران) 1981 ضمن قرارات مجلس الأمن المتاحة على الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة. https://documents-dds-ny.un.org/doc/RESOLUTION/GEN/NR0/418/74/PDF/NR041874.pdf?OpenElement

4- تصريحات إلياهو وبرنامج إسرائيل النووي المفترض .. جدل له تاريخ، الحرة. 6 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://www.alhurra.com/israel/2023/11/05/

5- المرجع السابق.

6- "لا غذاء و لا كهرباء و لا مياه و لا وقود" .. إسرائيل تعلن فرض  "حصار تام" على غزة، CNN  بالعربية، 9 أكتوبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2023/10/09/israel-complete-siege-gaza-strip

7- لتفاصيل أكثر راجع ضمن وثائق الدورة السابعة و الستين للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي عقدت في الفترة من 25-29 سبتمبر 2023: رسالة وردت من الممثل الدائم لإسرائيل بشأن الطلب الداعي إلى إدراج بند بعنوان "القدرات النووية الإسرائيلية" في جدول أعمال المؤتمر. 11 يوليو 2023. https://www.iaea.org/sites/default/files/gc/gc67-15_ar.pdf

8- الأمين العام يرحب بنجاح الدورة الرابعة لمؤتمر إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، أخبار الأمم المتحدة، 21 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي:

https://news.un.org/ar/story/2023/11/1126282

9- مسئولة أممية تحذر من "الخطر المتزايد" للصراع في غزة، و تدعو إلى انتصار الدبلوماسية، أخبار الأمم المتحدة، 13 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي:

https://news.un.org/ar/story/2023/11/1125962

10- وردت تصريحات وزير التراث الإسرائيلي في الصفحتين 61 و62 ضمن صحيفة الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا. لتفاصيل أكثر راجع:

The Republic of South Africa institutes Proceeding against the State of Israel and requests the Court to indicate provisional measures. INTERNATIONL COURT OF JUSTICE, 29 December 2023. https://www.icj-cij.org/sites/default/files/case-related/192/192-20231229-pre-01-00-en.pdf

11- "العين الإخبارية" تنشر نص البيان الختامي لـ"القمة العربية الإسلامية"، العين الإخبارية، 11 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي:  https://al-ain.com/article/text-statement-riyadh-summit

12- رسالة وردت من الإمارات العربية المتحدة لدى الوكالة. الوكالة الدولية للطاقة الذرية، نشرة إعلامية. 23 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://www.iaea.org/sites/default/files/publications/documents/infcircs/2023/infcirc1158_ar.pdf

13- رسالة وردت من البعثة الدائمة للملكة العربية السعودية لدى الوكالة. الوكالة الدولية للطاقة الذرية، نشرة إعلامية. 21 ديسمبر 2023، متاح على الرابط التالي:

https://www.iaea.org/sites/default/files/publications/documents/infcircs/2023/infcirc1165_ar.pdf

14- الصين تحث على تعزيز الجهود دعماً لإنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط، صحيفة الشعب الصينية. 14 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي:

http://arabic.peopledaily.com.cn/n3/2023/1114/c31664-20096909.html

15- راجع نص المذكرة الإيضاحية المقدمة من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بشأن القدرات النووية الإسرائيلية المقدمة للوكالة الدولية للطاقة الذرية في يونيو 2022 الواردة ضمن وثائق الدورة العادية السادسة و الستين للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في: جدول الأعمال المؤقت: بند إضافي مطلوب إدراجه في جدول الأعمال المؤقت، الوكالة الدولية للطاقة الذرية، نشرة إعلامية، 5 يوليو 2022، متاح على الرابط التالي: https://www.iaea.org/sites/default/files/gc/gc66-1-add-1_ar.pdf

16- رسالة وردت من الممثل الدائم لإسرائيل بشأن الطلب الداعي إلى إدراج بند على جدول أعمال المؤتمر بعنوان "وضع فلسطين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الوكالة الدولية للطاقة الذرية، نشرة إعلامية، 12 سبتمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://www.iaea.org/sites/default/files/gc/gc67_22_ar.pdf


*نقلاً عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

الرابط :https://wefaqdev.net/st_ch1048.html

قراءة 858 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 03 نيسان/أبريل 2024 07:40

أضف تعليق


كود امني
تحديث