لقد أدهشني ما نسب لوزيرة التربية من قول مفاده أن: ((رقصة " الواي واي" كفيلة بالحد من العنف الموجود في المدارس))، و ذلك أن مثل هذا القول يستهجن صدوره عن إنسان عادي بله أن يكون خبيرا بالتربية و التعليم، حيث أن المتمرس بشؤون التربية و التعليم يعلم بداهة أن العنف لا في المدارس سواء عندنا أو عند غيرنا، يرجع إلى أسباب و مؤثرات موضوعية داخلية و خارجية، فالداخلية منها هي تلك التي تخص المدرسة كطبيعة المنهاج الدراسي و محتواه و الطرق البيداغوجية المعتمدة في تدريس محتواه، و مستوى أداء الأستاذ، و تيسر وسائل التعلم و أدواته، و طرق التقويم وجديتها، و علاقة التلميذ بالإطار التربوي و الإداري، فإذا كان المنهاج المعتمد صعبا و كثيفا و لا يتوافق مع قدرات المتعلم و إمكانياته، سيجعل ذلك التلميذ يواجه صعوبات في استيعابه مما يرفع من درجة التوتر عنده و يدفعه ذلك إلى صب جام غضبه على الأستاذ، و إذا كانت طرق التدريس لا تساعد التلميذ على التحصيل و لا تمكنه من الفهم أثار ذلك حفيظته و حرك غضبه، و إذا كان الأستاذ يفتقر للخبرة المعرفية و التربوية التي تؤهله لتدريس المنهاج المقرر توترت العلاقة بينه و بين التلميذ حتما، و إذا كان التقويم غير جدي و غير وظيفي بحيث يستشعر التلميذ أن العلامة المحصل عليها دون ما يستحق أو فوق ما توقع اتهم الأستاذ في نزاهته و رماه بالجور و المحاباة، و إذا انعدمت وسائل و أدوات التعلم أو قلت صعب ذلك من عملية التحصيل و الاكتساب، و ساهم في توتير النفوس، و إذا كان الإطار التربوي و الإداري شديد الصرامة ميالا إلى الشدة في التعامل مع بعض التلاميذ و رفيقا بالبعض الآخر لانتماءاتهم الاجتماعية دفع ذلك التلاميذ إلى التمرد و جنح بهم إلى العنف، ثم ينضاف إلى ذلك كله شعور التلميذ بأن ما يتعلمه في المدارس لن يسهم بكثير أو قليل في تحسين مركزه الاجتماعي و مع ذلك يكره على الحضور إلى المدرسة و البقاء فيها سيحرك لديه كل أسباب النقمة على الأسرة و المدرسة و المجتمع.
أما الأسباب الخارجية فهي تتعلق بعلاقة المتعلم بأسرته، و الوضع الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي، فإذا كانت وضعية الأسرة المادية لا تمكن التلميذ من الحصول على متطلبات التعلم، أحرج ذلك التلميذ و جعله يجد نفسه في وضعية صعبة، لا يدري معها أيتضامن مع أسرته أم يستجيب لمطالب مدرسيه؟ و إذا كانت علاقته متوترة بأسرته لهذا السبب أو ذاك، انقلب بغضبه المكبوت على وسطه المدرسي، و إذا تسبب الوضع الاقتصادي في التضخم و ارتفاع تكاليف المعيشة فحرم المتعلم مما يريد فلا هو يجد ما يشبع بطنه، أو يستر عريه، فإن ذلك يدفعه لا محالة إلى الغضب، و إذا كان التعامل في المجتمع ينبني على أساليب القوة و الشدة" الحقرة" فإن ذلك يحفز التلميذ إلى اعتماد العنف أسلوبا و طريقة للتعامل، و إذا كان الخطاب السياسي المعتمد متعصبا، لا يؤمن بتعدد الآراء و لا يقول إلا بالرأي الواحد، فإن ذلك يجعل التلميذ متعنتا عنيدا رافضا للحوار.
و هذه فيما أرى أسباب لا يلغى تأثيرها بأغنية" الواي واي" و إنما يتم ذلك في حكم العقلاء من الناس بالتحكم في مناهجنا التعليمية و تحسين طرقنا البيداغوجية و تطوير وسائلنا التعليمية و تحسين أداء أساتذتنا و النهوض باقتصادنا و محاربة دواعي العنف في مجتمعنا و فتح أبواب الأمل لشبيبتنا، أما الغناء و الرقص فلا يقدم و لايؤخر في مثل هذه الأمور.