نشرت جريدة الشروق الصادرة بتاريخ 12، 04، 2015 خبرا مفاده أن المدير العام لمستشفى ابن باديس الجامعي: "أوقف 23 موظفا و طبيبا تحفظيا، و ذلك لكونه وجدهم يغطون في نوم عميق تاركين المرضى دون رقابة أو حراسة أو متابعة" و قد تواردت أنباء عما تعانيه مستشفياتنا من حالت التسيب التي تسببت للمواطنين في كوارث عديدة، منها تهريب المواليد الجدد، و موت بعض المرضى غير المبرر، و الصدامات بين المواطنين و العاملين في المستشفيات خاصة بأقسام الاستعجالات التي غالبا ما تعاني من الضغوط، و تلك الصدامات غالبا ما تحدث بسبب سوء الاستقبال، أو لغياب الطبيب المناوب لسبب أو لآخر، مما يجعل المواطن يستشعر باللامبالاة و التهاون به من قبل موظفي المستشفى، الأمر الذي يخرجه عن طوره، و يدفعه دفعا إلى اللجوء إلى العنف، و لو ذهبنا نبحث عن الأسباب الفعلية لغياب الضمير المهني عند بعض العاملين، لا في القطاع الصحي وحده، بل في عموم المؤسسات الأخرى، سوف نجدها ترتد إلى الآتي:
1) ضعف العقيدة الدينية، لأن ذلك ينجر عنه امتناع وجود الرقيب الداخلي، مما يجعل الفرد لا يهتم و لا يبالي، و تنعدم لديه روح المسؤولية، و الشعور بالتبعة التي تلحقه في حالة التقصير.
2) غياب القدوة الحسنة، حيث أن المرء يتأثر بسلوك غيره و بالمحيط العام، فإذا كان هذا المحيط تشيع فيه اللامبالاة و عدم الإحساس بالمسؤولية، سرى ذلك إلى الفرد، و أصبح هو بدوره غير مبال و لا مهتم بحسن أداء عمله، فإذا كان المدير يتغيب عن عمله، أو يأتي متأخرا عن الوقت المقرر، أو لا يراعي وتيرة العمل، قلده غيره من العمال و الموظفين، فالناس على دين ملوكهم كما يقال.
3) انعدام التحفيز الفعال، حيث أنه إذا كان الموظف الذي يبذل جهدا معتبرا في القيام بعمله و يحرص على أدائه بإتقان لا يجد جزاء و لا شكورا، و يسوى بينه و بين العامل المتخاذل الكسول فإن ذلك يحمله حملا على الانجرار نحو التقاعس و اللامبالاة، و لو أن العامل المجد كوفئ على اجتهاده، و العامل المتقاعس عوقب على تقصيره، لاستقام الأمر، و تنافس العمال على حسن الأداء و جودة العمل.
4) انعدام الرقابة و المتابعة، حيث للرقابة دور فعال في التحفيز على رفع وتيرة العمل و حسن الأداء، و كلما كانت الرقابة دقيقة و مستمرة، كلما أسهم ذلك في تحفيز العمال على الاجتهاد في إتقان العمل، و زيادة وتيرته و تحسين أدائهم، كما أن هذه الرقابة و المتابعة تحمل العمال على التدقيق في أداء العمل، مما يقلل من الأخطاء المهنية، و يجعل العامل يراقب نفسه بنفسه، استباقا للمراقبة الإدارية المتوقعة.
5) الوهن الخلقي، حيث أن قلة التشبع بفضائل الأخلاق، يضعف الإحساس لدى الفرد بقيمة الواجب، و يجعله لا يدرك فداحة التقصير في أدائه، و من هنا تتسلل إليه اللامبالاة، و عدم الاهتمام بما يتولاه من عمل، و ينهض به من مهمة، و تاريخ الإنسانية شاهد على أن المتقنون لأعمالهم هم من أكثر الناس تشبعا بفضائل الأخلاق.
و هكذا يتبين لنا أن من أهم دواعي انتفاء الضمير المهني عندنا في الجزائر يرجع إلى ما ذكرناه آنفا، و إن استرجاع هذا الضمير المهني الغائب يتطلب منا إزالة تلك الأسباب التي مكنت له و سمحت له بطبع سلوكنا، و ذلك يتطلب منا التركيز على التربية الدينية و توفير القدوة الحسنة و الحرص على توفير المحفزات الفعالة لتحسين الأداء، و توفير الرقابة الدقيقة و المستمرة، و مواجهة الوهن الخلقي عن طريق التنويه بالعمال ذوي السلوك الإيجابي، فذلك هو السبيل الأمثل لوضع حد لهذه الآفة التي تنخر أداءنا المهني...