لم يخطئ الرئيس البوسني المفكر علي عزت بيجوفيتش حينما قال: هكذا تصنعون طواغيتكم… و قصة هذه المقولة لا تخفى عليكم، لكن الشاهد من هذا في موضوعنا هو سلوك تربوي نتعمّده مع أبنائنا في صِغرهم و نرجو بعد ذلك لهم رشدا حينما يكبرون.
إنه باختصار: تقديس الأشخاص و تعظيمهم في نفوس النشء.. و زرع رقابة الناس عندهم بدل رقابة الخالق، و بالتالي السعي لرضاهم و تجنّب سخطهم على حساب تنمية الرقابة الإلهية في ضمائرهم.
أقف هنا عن الوصف، فمتابع كلامي قد ملَّ و بدأ يستنكر.. و يقول: ما شهِدت لبيبا يفعل ذلك!! و أنا أجيبك: الأصح أن نقول: ما رأينا من يتعمّد ذلك، لكن… هناك من يقدم على بعض السلوكات -و التي تنمّي في أبنائه هذه القناعة السلبية- لكن بحسن نية، و قد يقوم المعلمون أنفسهم بنفس هذا الخطأ.
مثلا حدث معي هذا شخصيا: أن يقدم الوالدين على مخاطبة أطفالهم بعبارات مثل، الترغيب: “المعلمة ستحب ذلك” أو “سيعجب هذا -الذوق- المعلمة كثيرا” و التهديد: “إن لم تقم بما طلبته منك سأخبر المعلمة” أو “المعلمة ستغضب منك”.
و التي هي في الحقيقة فقر من الوالدين في مهاراتهم التربوية، فيلجؤون إلى أسهل الحلول –و هي استعمال نماذج تلك العبارات- بما أن البراعم يحترمون معلمتهم و يحبونها كثيرا، و يخشون أن تتبدل صورتهم اللطيفة في عينيها إن وصلها عنهم خبر سيء من والديهم!! و في النقيض يسعون لجلب اهتمامها -كونها تهتم بما يقدمون- و عملا على رفع نسبته لأنه شعور ممتع و مطلوب عندهم، مع أنه من مساوئ هذا التصرف قتل الإبداع و الابتكار فيهم باحتكاره في ما يروق لمعلمتهم.
من هنا فغالبا ما اعترف لي الأولياء بذلك.. فأتحسّر من فعلهم و أوجههم إلى كسب حب و ثقة أبنائهم و بالتالي سهولة التعامل معهم، بالإضافة إلى خطورة ما يقومون به، فالأجدر بهم العمل على غرس الرقابة الذاتية لتصرفاتهم و قياسها برضا الله منذ نعومة أظافرهم.
و قد حدث و أن ضجر برعم من موقف والديه فنطق محتجا: سئمت لفظة “معلمة” أتركوها في المدرسة… حسب ما أخبرني به والداه مؤخرا، حقيقة فرحت لأنه نطق بالحق و الفطرة النقية التي فيه، و تألمت لكوننا نخطئ في حقهم صغارا و نشتكي سلوكهم و هم كبارا!
فبداية نركز على “المعلم” في مستوى التحضيري و الابتدائي، ثم نوسّعها “للمجتمع و العار” في فترة المراهقة كشباب ثم نتساءل بعدها لماذا حينما نعظهم لا يخافون الله و لا يستحضرون رقابته في سرهم و يخفون انحرافهم عن أعين الناس متناسين أنه ثمت عالم السر و الغيب أولى أن يخشوه!!
أصل في ختام خاطرتي هذه إلى بعض الأساليب التي استحسنتها من خلال التجربة، لزرع حب و رقابة الله في نفوس الصغار:
1- تحبيب الله إليهم من خلال تبصيرهم بنعمه علينا باعتماد التجربة و الحس ليصلوا إلى ذلك عن قناعة.
2- تعريفهم بأوامر الله و نواهيه و مساعدتهم على تجسيدها باعتماد منهجية يسيرة عليهم و تحفيزهم على أدائهم فيها.
3- تحميلهم مسؤولية الخطأ، فنحاورهم عندما يسيئون التصرف و نخاطب عقولهم مستفزين إياهم بأسئلتنا على أن يجيبوا في الأخير “رضا الله”
4- إكسابهم مهارة تصحيح سلوك أقرانهم، و تذكيرهم بما عليهم فعله حال الخطأ، كبديل لعادة: “سأخبر المعلمة” مُقنعين إياهم أن جل ما سيفعلون مع المخطئ هو تذكيره و توجيهه، و له في النهاية أن يختار التنفيذ من عدمه -و نحمد الله حينها على صفاء فطرتهم-.
الرابط: