وصف الثورة الجزائرية على أنها بلا أيديولوجية، فكرة قديمة ذكرها أحمد بن بلة[1] في مذكراته، قائلًا: “لم يكن لها منهاج مرحلي ولا مذهب .. كانت ثورة بدون أيديولوجية”.
فقرة مقتطفة من مقالة الدكتورة ليلي حمدان بعنوان "مراجعة كتاب : حراك بلا إيديلوجية"
ما ذكره بن بلا في مذكراته مقتنع به ايما إقتناع صالح قوجيل...
قرأت مذكرات بعض من عايشوا ثورة 1954 أو قادوها و أكثر ما إسترعي إنتباهي أن خلفيتهم في محاربة فرنسا لم تكن الإسلام أو إعادة الجزائر إلي حاضنة الإسلام دينا و دولة و نظام الحياة.
لهذا صرت جد متحفظة ناحية ثورة 1954 يدعي أصحابها أنهم حرروا الجزائر من فرنسا فإستبدلوا الصليب باللادين و لا تغالطنا مواد الدستور الجزائري التي جاء في بعضها ذكر للإسلام. لنعيد قراءة كل الدستور الجزائري لن نجد أي مادة تنص علي أن الدولة الجزائرية إسلامية المنهج و القوانين، نحن نعمل بعد 60 سنة من الإستقلال الصوري بالقانون المدني الفرنسي.
بت علي هذه القناعة بأن الثورة التي لا تنطلق من الإسلام محتواها فارغ و سرعان ما تتآكل من الداخل و هذا ما وقع بعد 1962، فمن عاشوا ممن حاربوا فرنسا تمذهبوا بمذهب يناصب العداء للإسلام كشريعة و منهج حياة و طبقوا أنظمة سياسية و إقتصادية وضعية أودت بكل حظوظنا في النهوض.
أن يقول بن بلا كانت ثورة بلا منهاج مرحلي و لا مذهب و لا أيديولوجية، لا معني له سوي ما يلي : لم تعتمد ثورة 1954 المرجعية الإسلامية للذهاب إلي الخلاص الكلي.
إذن ماذا كانت هذه الثورة ؟
علي ماذا كانوا يقاتلون فرنسا ؟
أي ثورة لا بد لها من مرجعية تنطلق منها و لا بد لها من هدف تسعي لتحقيقه وفق منظور هذه المرجعية، فأن نقول بأن ثورة 1954 لا إيديولوجيا لها ليس أمر مفرح، فالكثير من نخبنا يحذرون من الإيديولوجيا و من أدلجة الدين و كأن محمد صلي الله عليه و سلم بعث ليقول لنا آمنوا بالله الواحد الأحد و عيشوا وفق أهواءكم ....!!!!!
ماذا كانوا يفعلون طوال سبعة سنوات و نصف و هم يواجهون فرنسا بالسلاح ؟ علي ماذا كانوا يقاتلون ؟ من أجل حرية وضعية تسمح لهم بالعيش وفق أهواءهم الضالة....
كم أفهم جان ماري لوبان عندما واجه الفارين الجزائريين إلي فرنسا من فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدور الأول في 1991 :
أردتم الإستقلال أبقوا في بلدكم و حلوا مشاكلكم فيما بينكم و لا تحتلوا ديارنا.
ثورة 1954 المغالطة الكبيرة لم ينتج عنها إلا إنسحاب صوري لفرنسا بينما فرنسا بمؤسساتها و فلسفتها و علمانيتها بقت متجذرة في النفوس و العقول و المسؤول الجزائري همه كل همه إرضاء سيدته فرنسا الحضارة... فهو منبهر بتقدم و تطور و تحضر المحتل الفرنسي و يكره ذاته كره لا مثيل له و في كرهه هذا ينظر إلي شعبه نظرة الإحتقار و عمل ما في وسعه لحرمان شعب من هويته الإسلامية و من إنطلاقة حضارية تستند إلي شرع الله ...
هل حررت ثورة 1954الجزائري من فرنسا ؟
لا
هذا لا يعني أن بين من حاربوا فرنسا لم يكن بينهم مؤمنين أشد الإيمان بخيار مرجعية الإسلام كدين و دولة و حركة الإصلاح لفضيلة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله دليل ثابت علي ذلك لكن هؤلاء كانوا مهمشين داخل قيادة الثورة و بعد الإستقلال وقع عزلهم عن المناصب الحساسة و عرفوا السجون و الإقامة الجبرية...
ثورة 1954 التي ينظر لها بتقديس سمحت لمقاتلين بشرعنة إستدمار نفسي و علي كل المستويات بحيث أصبحنا اليوم نتأمل الخلاص في نظام يقنن لنفسه وفق إجتهاده القاصر و قد نفي من حياة الفرد و الجماعة الإسلام كدين و منهاج حياة، دين يحكم كل مناحي الحياة...
أصحح اليوم موقفي من ثورة 1954 التي لم تتلبس مضمونا و شكلا دين الله العلي القدير...
إنتهي زمن إيماني بثورة 1954...