قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 25 شباط/فبراير 2015 19:40

فقدان التوازن الاجتماعي بين المبدأ وضغط الواقع 4/2

كتبه  الأستاذة ليلى سعيد
قيم الموضوع
(0 أصوات)

أيتها الأخوات المؤمنات:

سرِنَ بجدٍّ و نشاط لفهم الحياة، و لفهم هذا الكون في الآفاق و الأنفس، و ستصلن بلك إلى نتائج حسنة، و إن هذه المرحلة التي نحن فيها، و نعالج فيها هذه المشكلات التي تعترضنا و تضطرنا إلى التفكير فيها، و إن هذه المشكلات و هذه الأسئلة المحرجة التي توضع أمامنا، إن هذا كله معناه: أننا نواجه المشكلة مواجهة سافرة، فلا تَراجُعَ، و لا تردُّد، (وَ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت - 69. فسْرِنَ و الله معَكُنّ..

و إن زادنا في حل المشكلة، و في هذه المواجهة، يكون بمقدار ما عندنا من صبر و جلدٍ على تَفَهُّم القضيَّة، و مصدر الصبر و الجلد هو: (اليقين بأن الطريق الذي نسير عليه، يؤدي إلى الهدف الذي نسعى إليه) ـ (أي تأمل الأحداث البسيطة التي تقع تحت سمعنا و بصرنا ، و معرفة أسبابها ، و الانتقال منها إلى أحداث أخرى معقدة أكثر منها ، إلا أنها مثلها أيضاً في إمكان رؤية أسبابها ، و هذا ما نحن بصدده)، فقد يكون عندنا هدف، و لكن ليس عندنا اليقين بأن هذه الطريق موصلة إليه، فلا نصبر على السير فيها.  و قد لا يكون عند أحدنا هدف واضح، فلا يرى أنه يستحق الفائدة من المسير، إذن مشكلتنا في النهاية ترجع إلى وضوح الهدف الذي نسعى إليه، و إلى اليقين بأن الطريق الذي نسير عليه هو المؤدي إلى هذا الهدف، هذا جوهر الموضوع. و معنى وضوح الهدف يختلف حسب مستواه، سواء: في الأسرة، أو في المجتمع الخاص، أو في المجتمع العالمي.

فعلى مستوى الأسرة ينبغي أن يكون الهدف مما يرجعه بالعائد الحسن عليها، كأن يقلّلُ من مشكلاتها، و يرفع من مستواها. و كذلك الأمر بالنسبة للمجتمع الخاص، أن يكون الهدف محقّقاً خيره، مزيلاً لشروره. و على المستوى العالمي ينبغي أن يكون تحقيق هذا الهدف هو الذي يحلّ المشكلة العالمية المعقَّدة اليوم.

فيما سبق أشرت إلى جانب مما يفقده المسلم في مجتمعه الذي يعجز أن يقدم له توازنه و مسوّغات حياته في المجتمع البشري، و لكن أريد أن أشير هنا إلى جانب آخر يعجز فيه المجتمع أن يقدّم للفرد الذي ينشأ فيه مبرّر موته، فكما يعطي المجتمع للإنسان مبرر حياته، كذلك يعطيه مبرر الموت إذا اقتضى الأمر، فإذا عجز المجتمع أن يقدِّم لمن ينشأ فيه وظيفة معينة، يمكن أن يخدم بها المجتمع البشري، فإنه يجعل من الفرد الذي ينشأ فيه فرداً مقلِّداً، يبدأ التطوُّر، أو التقليد من عند رجليه، كالزعماء الذين أشرت إليهم، لا كما وقف غاندي شاهداً على العصر، و نذراً له بالثبور، إن لم يقلع عن أفكاره، فهذا الرجل استقى من مجتمعه و من المجتمع العالمي ما أمكنه أن يحرّره من التقليد، فكان يوجِّه اللوم العنيف لمواطنيه الذين يقلِّدون الغرب في كتابه الذي أسماه: « هذا مذهبي » أو: (حضارتهم وخلاصنا)، وأوضح أن كُرههُ للإنكليز لم يكن بسبب لون بشرتهم، (كما يكره الأمريكيون البيض السكان الزنوج)، و إنما كان يكرههم بسبب أفكارهم التي يمثلون بها فرعون حين علا في الأرض، و جعل أهلها شيعاً، يستضعف طائفة منهم، يُذبِّح أبناءهم، و يستحي نساءهم، كان غاندي يكره كل هندي يريد أن يصير مثل الإنجليز، و كان يقول للهنود: « إذا كان كرهنا للإنكليز أنهم في بلادنا، و إذا طردناهم سنصير مثلهم، فلا يقلّ كرهي للهندي الذي يستذلّ إخوانه عن الإنكليزي الذي يستذل الهندي »، لأن عدم التمييز بين هذين الأمرين و الخلط بينهما يؤدي إلى عدم ارتفاع الذل، حين يرتفع الاستعمار عنهم، لأنهم لم يرفعوا الذل عن أنفسهم، فلم يكن سعيهم لرفع الذل، و إنما لطرد الإنكليز، فيمكن أن يُطرد الإنجليز و يبقى الذل مع ذلك، و لكن إن طردوا الذّلَّ، فلا يمكن أن يَحُلَّ الأمريكان محل الإنكليز بعد ذلك، و في النهاية سيخلصهم ذلك أيضاً من اتفاق الروس و الأمريكان على إذلالهم..

و أشعر أنه ينبغي أن أنَبِّهَ إلى شيء آخر في الموضوع أيضاً، و هو: أن مسلم اليوم لا يمكنه أن يفهم الشيء إلا طاهراً مُقدساً، أو دنساً حقيراً (و من الاتجاه الثقافي الذي كون هذا الموقف : (إعطاء الأحكام مجردة من مبرراتها أو أدلتها) كما هو الحال في اغلب كتب الفقه و الفتاوى). أمتا أن يعرف الفضل لأهله على حسب ما عندهم من الفضل و الميزات ( فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ، هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى ) سورة النجم - 32، فليست عند المسلم هذه المقدرة، و هذا ما يهوّن عليه أحياناً أن يشهد شهادة زور على نفسه أو على غيره: على نفسه حين يحقَّرها، أو حين يُعظِّمها أكثر من اللازم، و على غيره كذلك حين يبخسه حقه ( وَ لَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) سورة الأعراف – 85، أو يقدّره فوق قدره، و بذلك يشوه الحقيقة في كلا الحالين، لأنه فقد المقياس، و الذي يفقد المقياس يبتعد عن الإنصاف في الإفراط أو التفريط في أحكامه، و هذا ما جعلنا ننظر إلى الهند باحتقار دون أن نعرف لها ميزتها عن غيرها.

و الذي يدعوني إلى هذا القول هو ما أريد أن أنبِّه إليه:

في أن يقف المسلم عَدلاً في الوسط، لا في جانب أحد الطرفين، فحين أذكر للهند فضلاً ليس معناه أنه صار مُقدساً عن الأخطاء، و لكن: أليس مما يمتازون به في الهند أن يكونوا في وضع يضربون لنا فيه المثل في إمكان إعطاء قدرة التوازن للمجتمع؟ أليس حسناً أن يمثل المقياس الذي يمكن أن يُرى فيه الفرق بين مجتمعين؟ لأن التفاوت يمكن أن يُلاحظ حتى في التقليد، فالغارق إلى أذنيه غير الذي يصيبه بعض الرذاذ.

و إلى جانب ما أبديت من ملاحظة في إمكان محافظتهم على توازنهم في لباسهم الوطني، كذلك لم تسقط الهند بعد في الديكتاتورية التي ركعت لها سائر الأمم، فإذا أمكننا أن نلاحظ هاتين الملاحظتين البسيطتين، و العيِّنتين الملموستين لكل مراقب دون كبير عناء، إلا أن وراء هذه الظواهر شيئاً يصعب على المسلم إدراكه.

لمَ كانت الهند هكذا؟ و لمَ استطاعت أن تحتفظ بتوازنها، و لو لمدة أطول قليلاً من غيرها؟ و لم تأخَّرت في السقوط ضمن الهوّة؟ - هذا إذا لم يكتب لها أن تتجاوز الهوّة بسلام أيضاً - إن ذلك يرجع فيما إلى أن موقف زعمائها و قادتها الروحيين لم يكن مثل موقف زعمائنا و قادتنا المسلمين، فإن إمكان رؤية الأسباب التي وراء هذه المظاهر،  العقبة التي تتقطع عندها قوة احتمال المسلم في البحث عن أسباب الأحداث*.

  • كتب هذا الكلام في عام 1968 ، و إن أحداث عام 1977 في (محاولة أنديرا غاندي فرض الأحكام العرفية ثم سقوطها في الانتخابات) تدعم كلامي دون أن تنقضه .

و الذي أشكَلَ على الأخوات هو: « لِمَ لَمْ تستطيع الأخت المسلمة الاحتفاظ بالتوازن؟ و ما الشيء الذي ينقصها؟ «. إن كشف هذا النقص في مستوى المجتمع يحلّ كثيراً من مشكلاتنا، و كذلك يعرفنا أيضاً: لِمَ استطاع الآخرون أن يحتفظوا بالتوازن في الموقف الذي لم تساعدنا فيه طاقتنا على التماسك؟ و هنا نعرف معنى سبب المناعة، و نعرف الطعم الواقي، أو نوعاً من التلقيح الثقافي و الاجتماعي الذي يقي الفرد و المجتمع من الأمراض الاجتماعية التي رأينا من مظاهرها ما رأيناه.

هذا الموضوع هو الذي جهد فيه مالك بن نبي - رجمه الله - من أجل أن يُقرب فهمه للمسلمين، و لكن كثافة الحجب الموجودة على أعين المسلمين من جانب، و صعوبة الأسلوب الذي اتخَّذه مالك من جانب آخر هما اللذان حالا دون أن تُحدث كتاباته ذلك الأثر الذي كان ينبغي أن تحدثه.

إنني لم أختر في ضرب المثل الذي ذكرته مَثَلَ اليابان و الصين، لأن كلاً منهما قلدا الغرب و ما رفع من مستواه، و واقعنا نحن أسوأ من مثل اليابان و الصين، لأن كلا منهما بدأ تقليد الغرب من الرأس (في التكنولوجيا)، بينما نحن بدأنا التقليد من الأسفل (استيراد الأشياء)، و كنا زبائن نشتري، و كانت الصين و اليابان تلاميذ يتعلَّمون*، و وقفنا نحن عند العنق، مثلما المتحشرج الذي كاد يختنق.

  • راجع كتاب « في مهبِّ المعركة » فصل : (الأفكار الميتة و الأفكار القاتلة) للأستاذ مالك بن نبي

إن موقف الهند يمكن أن يُرى فيه اختلافاً عنَّا، و عن الصين و اليابان، و كذلك أكرّر أن الهند لم تكن النموذج الكامل في الموضوع، و إنما فقط كانت مثلاً يمكن أن يُقرِّب لنا حالة خاصة، و هي أن الهند لم تَقبلْ أن تُقلد: لا من الرأس (التكنولوجيا) كالصين و اليابان، و لا من الرجلين (استيراد الأشياء) كالبلاد العربية و الإسلامية، أقصد: استيراد الأشياء الاستهلاكية، بل أرادت الهند أن تُدين العالم في اتجاهه، و تُخطّ لهم خطاً جديداً في الحياة، غير الذي تعوَّده العالم، و هذا فضلاً عن أنه جديد لا عهد للناس به، فليس من السهل السير في مثل هذه الطرق الجديدة، و إذا أردنا التدليل على أن الهند لم تكن في المستوى المطلوب، فإننا نرى زعيمها الذي كان يدعو الشعب الهندي إلى (طريق الحقيقة) كما كان يسميه، قد مات مغتالاً على أيدي الهنود أنفسهم، كما إننا نَلتمس التردد الذي يصيبها في سيرها، و الذي يمكِّن البعض من أن يتجاهل أو ينكر مزاياها.

و أرجع إلى الجزء الذي ينقص المسلم من الصحة الاجتماعية التي تمكِّنه من الاحتفاظ بالتوازن بين المبدأ و الواقع مبتدئين من مثل يُقَرّب الأمر إلى أذهاننا.

و أنا أغتنم الفرصة التي تَنَبَهتْ فيها ملاحظةُ الأخوات لهذا الحدث الخاص، و الذي دعاني للكتابة في هذا الموضوع، فمثلاً: إذا تصورنا الذي تجده الفتاة حين تريد أن تلبس اللباس الإسلامي من عقبات، فإننا نجد:

1- والدتها، و أفراد أسرتها.

2- و إذا ما استطاعت أن تجتاز المرحلة الأولى بسلام، تأتى العقبة من المجتمع في المدرسة، و الشارع، و الوظيفة و … الخ.

3- و إذا ما اجتازت ضغط جو الأسرة، و جو المجتمع و البلد الذي تعيش فيه (مع التفاوت في مقدار الضغط)، و تيسر لها الانتقال إلى المجتمع العالمي، فإنها تكون أمام جو جديد بقيمِهِ، و عاداته، و أفكاره، و أخلاقه.

ففي هذا المجتمع العالمي ستشعر بضغط أشد من ضغط المرحلة السابقة، و هنا تكون ذروة الضغط، و ربما يرفع الشيطان مستوى الضغط (لكل على حساب مرحلته)، لأن حرص الشيطان على منع نشر الحق شديد، فإبقاء الأمر في جو الأسرة فقط أهونُ من الخروج إلى الشارع و المدرسة و الجامعة، و البقاء في المجتمع العالمي، و إن أقوى إغواءات الشيطان آخرها، فمن لم يتغلَّب عليه الشيطان في مرحلة ما، يحاول أن يتغلَّب عليه فيما بعد في مرحلة أخرى، و سُبُلُ الشيطان كثيرة:

(لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ، وَ عَنْ أَيْمَانِهِمْ، وَ عَنْ شَمَائِلِهِمْ، وَ لَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) الأعراف: 16 - 17.

و لكن يمكن أن نرى الأسباب التي تُيسِّرُ و تهوِّنُ عمل الشيطان الخفي، و الذي لا يمكن أن يراقب أعماله و مداخله إلا المخلصون من عباد الله، و الذين هم على بصيرة، و الذين يسيرون على قدم رسول الله r، و بالتالي هم الذين يمتلكون سبُل تجنُّب إغواءات الشيطان، فهذا الباب الذي فتحه الله لنا للهرب و التخلص من الشيطان، بل و لطرد الشيطان منه، و هذه القدرة على التمرد على الشيطان هي هِبَةُ الله العظيمة للبشر، و مكانة كرامة هذا الإنسان عند الله رب العالمين:

(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِين) الحجر - 42، إلا من اتبعه باختياره و استسهاله لطريقة الشيطان، و الشيطان يعترف: (وَ مَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ، إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ، فَاسْتَجَبْتُمْ لِي، فَلَا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ) إبراهيم - 22. فهذا الشيطان الذي يفقدنا توازننا في هذه المواقف، يمكن التغلُّب عليه، بل و يمكن طرده من مجتمعنا، فإنه لا يستطيع أن يمشي في الطريق الذي كان يمشي فيه عمر رضي الله عنه، لأن عمر يملك توازناً صحيحاً واعياً، لقد فتح عمر العالم و لم يُقلِّد العالم المعاصر له، بل نقل إلى العالم ما العالَمُ محتاجٌ إليه، فأخرجهم من أن يكونوا عبيداً للشيطان، أو لبعضهم بعضاً، و إن عمر كان قد أخذ هذا التوازن من رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي أسلم شيطانه، و قد علم رسول الله صلى الله عليه و سلم صحابته و الناس: كيف يتحرَّرون من غواية الشيطان، فأنار للناس الظلمات التي نحن فيها الآن، و رجعنا إليها من زمان بعيد، و صار الشيطان فينا دولة و سلطان، و لقد كان الشيطان يائساً من أن يعبد، و كان يخاف من عمر، فإذا سلك عمر فَجاً، سلك الشيطان فَجَّاً غير فَجِّهِ، كما كان رعب الشيطان عظمياً عندما كان ربعي بن عامر رضي الله عنه يتحدِّث في مجلس قائد الفرس، و حين كان هذا الصحابي يمزق الحُجُب التي تمكِّن الشيطان من التسلُّط على البشر، و من جعل سلطانه عليهم مُحكماً.

كأني شردت عن الموضوع الذي كنت أبحثه، و هو الضغط الذي يلاقيه المسلم من الجِنَّةِ، و من الناس الذين حوله يوسوسون إليه حين يريد أن يسلك سبيل الله.

إن فهم الضغط على المسلمة في لباسها واضح للأخوات، لأنهن يعشنَ هذا الأمر، و يَفْهَمْنَ مهمة الشيطان التي مارسها مع آدم عليه السلام أبي البشر و زوجه، و يَشْعُرْنَ بوسوسته، و لكن كم يكون مفيداً لو عرفنا السبب الحقيقي لهذا الضغط الذي ليس على الجلباب فقط، و لا على التي تلبسه، و إنما على المسلم أيضاً حين يصير ممثلاً للمجتمع الإسلامي و للبلاد الإسلامية، فإن الضغط الذي يرفع الشيطان مستواه إلى درجة عالية قد يضطر البعض إلى تقديم القرابين للشيطان رُعباً منه أو تَقَرباً إليه.

هذه الضغوط المختلفة الدرجات هي خطوات الشيطان التي يخطوها في بسط سلطانه على أتباعه، فنرى من آثارها: هنا خلعُ جلباب، و هناك تَركُ فريضة الصلاة، و هنا فرارٌ من تعليم القرآن، و هناك هروب ٌ من الأمر بالمعروف، و هنا تقديم للقرابين على قدمي الشيطان.. خطوات متتابعة، كلها حلقات آخذ بعضها برقاب بعض، إن فكرة عبادة الشيطان ليست فقط في الأخبار التي نسمعها من بعض المجتمعات المتخلِّفة، و لكنها طريقة معينة، و موقف خاص من الشيطان، و هي أيضاً تمارس عنده مستويات مختلفة، و إن أشد إغواءاته آخرها، و الشيطان أيضاً يَتَحَضَّرُ، و يترقى مع ترِّقي العصر، فيبتكر أساليب شيطانية راقية مناسبة للقرن العشرين، و كيف لا يكون ذلك؟ و قد تمكن بالفعل من إحياء عادة تقديم القرابين البشرية في القرن العشرين، على أعتابه، و هو باسمٌ قرير العين، بل صار يختار نماذج من القرابين لا يرضى بغيرها، و هكذا كان شأنه فيما سبق، فلم يكن يقبل إلا أجمل الفتيات في القرون الغابرة، حين كان يمارس الفراعنة هذه العبادة له، فيُقدمون قربانهم على نموذج معين حين يلقون ملكة الجمال في مياه النيل.. إلى القاع و الموت..

و لكن ينبغي أن لا ننسى أن الشيطان تمكن من هذا لأننا لم نَتَفَهَّمْ سُنَّةَ الخلاص من مكائده، مع أن كيد الشيطان ضعيف، و لا يقابله في الضعف إلا الغفلة و البلاهة التي نبديها إزاء دراسة سنة الخلاص من غواية الشيطان و طرقه الملتوية، التي يُلبس بها الأمر علينا، فيظهرُ لنا في كل مرة بلون، كما بين ذلك محمد إقبال - رحمه الله - فقال:

.......يتبع الجزء الثاني

تلَوَّن(1) في كل حال مناة(2) شاب بنو الدَّهر وهي فتاةُ

(1) أي تتلوَّن.

(2) مناة: اسم صنم اتخذه المشركون إلهاً.

http://jawdatsaid.net/index.php?title

قراءة 1750 مرات آخر تعديل على الإثنين, 13 تموز/يوليو 2015 15:48

أضف تعليق


كود امني
تحديث