قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 25 شباط/فبراير 2015 19:45

فقدان التوازن الاجتماعي بين المبدأ وضغط الواقع 4/1

كتبه  الأستاذة ليلى سعيد
قيم الموضوع
(0 أصوات)

إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ». النساء - 77.

و أما خبر الأخت التي خلعت جلبابها، فليس غريباً عليَّ، بل هو الحدث الطبيعي، و مع اعترافي بذكاء الرجل و تديُّن المرأة فلا يكفي ما عندهما للسيطرة على الموضوع - لا هما ، و لا من هم أكمل منهما - بل كثيرون و كثيرات من خيرة من نعرفهم إذا تعرضوا لمثل هذه الظروف يحدث لهم الحال نفسها، فكرة و سلوكاً. فمن ناحية التصرف السلوكي يتغير وضعهم، و أما التصرف الفكري فيظهر في محاولة إيجاد المسوِّغ العقلي لهذا التصرف السلوكي، بل و الشرعي أيضاً.

و لو فُهم ما يتطلبه اللباس الإسلامي من الثقافة أو الروح التي تعطي المبرر و المسوّغ له، لساعد هذا الفهم على حل كثير من المشكلات، و لكن الانفصام الاجتماعي الذي يعانيه مسلم اليوم الذي يفقده توازنه في هذا الموضوع، فلا يتمكن من أن يكيَّف ضغط الواقع مع مقتضيات المبدأ إلا بشيء من التلفيق، و بيان هذا بحاجة إلى شيء من الشرح.

و هنا تتوارد عليَّ أفكار كثيرة و خواطر تعين على تبيين الموضوع، لا أستطيع شرحها كلها، و لكن لابد من الإشارة إلى بعضها، لأن الحادثة كانت غريبة على الأخوات، و الغرابة تأتي من خفاء بعض الأسباب، و هنا ينبغي أن أبادر و أقول: إني لم أغير رأيي في الأخ و زوجه، فهما نموذجان جيدان من مجتمعنا، و لا أزال عند تقديري لهما، و عندي أمل فيهما، فإن ما يتمتع به الأخ من الأخلاق و الذكاء - أعني: الإخلاص و الصواب - أكبر بكثير مما عند غيره. و من شروط الحياة الاجتماعية أن الثغرات لا تُفْتَحُ إلا عندما يكون التخلُّف، كما في مجتمعنا، و إنه لمن النموذج الممتاز، و حتى حين يقوقع و ينسحب من مجال الفكر و العمل الإسلامي لا يكون عمله غريباً، و إن كان ثباته مُتوقَّعاً أكثر من غيره.

ألا تذكرين الكثير من الرعيل الأول من دعاة الفكر الإسلامي: كيف انحسروا؟ إلا أن نوع الانحسار يختلف من شكل إلى آخر، و إن كان المآل في النهاية واحداً و هو الانحسار. و إننا كثيراً ما نعجز عن رؤية السبب الواحد للنماذج المختلفة، فالانسحاب من العمل الإسلامي إذا أردنا شرحه - كما يفعلون في البحوث النفسية الاجتماعية - نقول: إن الإنسان الذي فقد مُسَوِّغ عيشه في المجتمع، يترك المجتمع كما يترك أيّ إنسان الوظيفة التي لم تعدْ لديه مسَوِّغٌ للتعلق بها. و لهذا التصرف أمثلة كثيرة متفاوتة في الوضوح و الغموض، إلا أن الانسحاب من المجتمع يأخذ صوراً شتَّى.

ففي بعض الأحيان يأخذ الانسحاب صورة الانتحار: كأن يلقي الإنسان بنفسه من جبلٍ، أو في نهرٍ، فهذه الحالة معناها أن الإنسان الذي فعل هذا، شعر بأنه أنهى دوره في المجتمع، و لم يَعُدْ لوجوده مبرر، لذلك أنهى حياته بشكلٍ ما، و انسحب من المجتمع على هذه الصورة. إن شعوره بأن الناس يرونه في وضع معيب، أو مليء باليأس، هو الذي يورطه، و إنه لو اقتنع بأن موقف الناس منه ليس بهذا، و إنه قادر على محو ماضيه، فإنه لن ينتحر.

و لكن بعض المنسحبين الذين أنهوا دورهم لا يفعلون هكذا، و لا يتصرّفون التصرّف نفسه، و إن كان الدافع واحداً في الحالين (و هو الشعور بأنه لم يعد له مبرر، و لا مهمة لوجوده في هذا المجتمع)، فهذا النوع الثاني لا ينهي حياته الاجتماعية انتحاراً بالسكِّين، و لكن يعتزل المجتمع، و يفرّ من أداء الواجب، لأنه لم يبق له مبرر. و هذا الذي قيل فيه، فهناك من ينتحر بالسيف، و هناك من ينتحر بالسّبْحَةِ.

كما أن هناك انتحاراً آخر يحصل عند البعض، حيث يتركون دينهم، و يتبعون الأهواء و الشهوات، و هذا الانتحار غير صامت، بل له ضجيج، و صاحبه منسحب من مجتمع إلى مجتمع آخر، فهو لم يعد يخدم المجتمع الذي نشأ فيه و أنشأه، و كان هو ثمرة من ثمراته، بل يخدم مجتمعاً آخر ليس له أي فَضْلٍ عليه.

و بالرغم من اختلاف هذه الأشكال، إلا أن النتيجة واحدة، و هي: أن مثلاً معيناً قد خسر فرداً من أتباعه، و أنّ الدافع إلى الانسحاب واحد أيضاً في عنوانه العام و هو: عدم بقاء مبرر للوجود في هذا المجتمع الخاص، كما يبدو لهم، فهم يبحثون عن مكان آخر غير هذا المكان، و الطرُّق إليه كثيرة، فهذا ذهب إلى قبره، و ذاك ذهب إلى صومعته أو كهفه، و الثالث ذهب إلى مكان يليق به أيضاً.

فقد يختلف هؤلاء أخلاقياً بالنسبة لمبدأ معين، و لكن النتيجة الاجتماعية واحدة، فمن الناحية الأخلاقية يقال للأول: منتحر، و للثاني: زاهد معتزل، و للثالث: مُتهتِّك أو تقدّمي، حسب الذوق الأخلاقي للمتحدِّث.

إلا أن كلاً منهم ترك مجتمعه، فالكل ماتوا اجتماعياً بالنسبة لمجتمع معين. فالأول أضاف إلى موته الاجتماعي موتاً عضوياً، و الثاني أضاف موتاً فكرياً، و الثالث أضاف إلى الموت الاجتماعي و الفكري شللاً وظيفياً، فهؤلاء ماتوا كما تموت خلايا الجسد حين يصيبه الضعف.

و الانسحاب من المجتمع يكون على درجات، و الإنسان الذي ينسحب قد لا يخرج من المجتمع، أو عليه دفعة واحدة، و إنما على مراحل، و الذي يهمنُّا هو الدافع الذي يحمل الإنسان على سلوك ما.

إن الضعف الذي أصاب الجسد الإسلامي، و الذي من أعراضه موت خلاياه بالشكل الذي بيَّنَّاه هو فقدان المبرر، أو ما يسميه توينبي: الشعور بالأناقة. و هو الشعور بالتميُّز و التفوق الحضاري، ليس تفوق فرد على فرد، و إنما تفوق مجتمع على مجتمع، و حضارة على حضارة.

فالمسلم لم يعد يشعر بأنه يحمل شيئاً يحتاج العالم إليه، و هذا الأمر بحاجة إلى تأمُّل، و مسلم اليوم لا يشعر و لا يدرك، أي: لا هو مقتنع غيبياً و لا عقليَّاً، لأن غيبيتهُ فَقَدت السند العقلي، و من يدرك الحقائق لا يغْتَرُّ بأقوال من زعموا الكمال، لأنهم يتكلمون بالبطولات و هم منهزمون، و لا يفطنون إلى الذي ينقصهم، أو ينقص آليتهم الاجتماعية، حتى يستطيع الفرد في المجتمع أن يكون منسجماً بين سلوكه و أفكاره، و هذا الوضع السيئ مصاب به مجتمعنا من أخمصه إلى مفرقه، و لكن العموم في البليَّة يخفِّف من الإحساس بالمشكلة، أو يضعف إدراكها، و لكن ضعف الإدراك للمشكلة ليس حلاً لها، إذ أن الحلْ المنجي للمشكلة يتطلَّب أرقى الاحساسات و أوعى المدارك لحلِّها لا التبلُّد فيها.

فكما أن الجسد الذي أصابه الخلل، و أخذت تموت خلاياه له دواء، كذلك الجسد الاجتماعي الذي أصابه الخلل، و بدأ أفراده يموتون الموت الاجتماعي الذي أشرنا إليه، له دواء أيضاً، و لقد ضرب مالك بن نبي - رحمه الله - مثلاً مضحكاً لمظاهر المجتمع المريض الذي يتجسد مرضه في قادته حين يحاولون أن يثبتوا شخصياتهم، بأن يلبسوا الطربوش مثلاً في المجتمعات الدولية: « و في عصر شاع فيه الأسلوب العالمي بتأثير امتداد الحضارة الغربية التي وضعت طابعها على العالم كله، يصبح من المضحك في عصر كهذا أن نلفت النظر إلينا بطابع من طوابع القرون الوسطى، فمن الممكن أن نكون سلبيين من الناحية السياسية بمجرد تفصل بسيط لثيابنا، أو حركة نبديها، أو هيئة نرتديها، و حين نرى وزيراً مسلماً يرتدي البزّة الأوروبية، و يحتفظ بطربوشه الأحمر من قبيل النعرة الوطنية خلال حفلة ذات صبغة دولية، فإننا نشعر بأنه قد اختار السلبية مهما كلفه ذلك من ثمن، و هي سلبية معجونة من خليط العجرفة الصبيانية و الجهل بالعالم الراهن في اتجاهه العام.

و تشعر أيضاً بأن الأمر يتصل بمجتمع بدأت حضارته من القدم و لم تصل بعد إلى الرأس.. ».

  • ابن نبي - مالك ، فكرة الأفريقية الآسيوية - ترجمة عبد الصبور شاهين ، (القاهرة : دار العروبة) ، ص 283 الطبعة بدون تاريخ .

و لقد رأيت هذا المشهد حين ذهبت أول مرة إلى مصر، حيث كان الملك و رئيس الوزراء يلبسون الطرابيش الحمر، التي لها بقايا الآن في شوارع دمشق أيضاً.  مع أنهم كانوا يلبسون البزَّة الإفرنجية، و يضعون رباط العنق.

و لكن نلاحظ أن هناك خروجاً على هذا الأسلوب من الاتصال مع العالم عند « غاندي »، فلقد كان غاندي يشعر أنه يملك شيئاً: العالم في حاجة إليه، فكان مقتنعاً بعقله، و بإيمانه الغيبي بضرورة حاجة الإنسانية إلى ما يدعو إليه، فكان لذلك يشعر بضرورة الانسحاب لأن له هذه المهمَّة، و لم يشعر أيضاً بضرورة التقليد للآخرين بأن يغيرِّ ن مظهره، لأنه لم يدخل إلى المجتمع العالمي ليقلده، بل لأجل أن يغيرِّه، فلا يمكن أن يحصل انسجام بين هذين الأمرين: بين محاولة تغيير العالم، و بين تقليده، فالمقلِّد لا يمكن أن يكون هادياً، و لا يمكنه أن يهدي من يقلِّده، لأنه إن فعل، فعمله هذا عَبَثٌ و سخرية، و يجلب له سخرية العالم، لهذا لم يغيرِّ غاندي لباسه، و لم يلبس بزَّةً إفرنجيةً بعد أن حمل مهمته العالمية، بل كان كثيراً ما يمشي حافي القدمين، حاسر الرأس، كأيّ هندي آخر من أبناء أمته.

و لكن هذا الشعور الذي كان يحمله زعيم الهند أنقذ الهند إلى حدٍّ ما، مما لم يستطع أن ينقذنا منه قادتنا الذين أشرفوا على قيادتنا. و « نهرو » لم يغير لباسه الوطني، و إن ابنته أنديرا لا تشعر بالمنبوذية حين تمثل العالم الثالث بلباسها الوطني، مع أن لكلمة التي استخدمتها الأخت المسلمة في التعبير عن وضعها إن بقيت بلباسها كلمة: « الشعور بالمنبوذية ». هذه الكلمة موطنها الهند، و لا يتذكر أحد « المنبوذ » إلا و يخطر في باله منبوذو الهند، لأن المنبوذية من عقائد الهند. و ليس منشأ المنبوذية في ارضٍ أو وطنٍ، و إنما هي حالة نفسية، و تخلُّفٌ نفسي في أساسها، هذا التخلُّف هو الشعور بالاستضعاف الذي هو « نفي الأنا » أو على حسب تعبير محمد إقبال - رحمه الله -: « رمز نفي الذات ».

إن الشعور بالأناقة (الشعور بالتميُّز الحضاري)، و الشعور بالمنبوذية، شعوران يمثلان بدء الحضارة، و انهيار الحضارة، فالحضارة تبدأ بالشعور بالأناقة أو (بالاهتداء إلى الصراط السوي للخروج من الأزمات الملحَّة)، بينما الشعور بالمنبوذية شعور باليأس، و انسداد الطرق أمام المشكلات و الأزمات.

و في السير في الأرض، و في النظر إلى سِيَرِ الذين خلوا من قبل، نجد هاتين الحالتين النفسيتين تلازمان النهوض و الانحطاط، فقد ظلَّ العالم الغربيُّ حتى قرنين مضيا، يحمل شعور الأناقة، كما ظلَّ العالم الإسلامي ما يقرب من عشرة قرون يحمل هذا الشعور.

و هذان الشعوران يتناوبان البشر و المجتمعات، كما قال الله تعالى: (وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ …) آل عمران - 140، في درجات متفاوتة، بحيث نرى بقايا الشعور بالأناقة في بداية دورة الشعور بالمنبوذية، كما نرى الشعور بالمنبوذية يبرز بدرجات متفاوتة قبل و بعد بدء الشعور بالأناقة، و يمكن تفسير كثير من المواقف التي تمثل أدوار الحضارة في نماذج معينة: فعند المسلمين نراه في نموذج ربعي بن عامر، و عقبة بن نافع*، و في نموذج غاندي عند الهند، و في نموذج نابليون عند فرنسا حين خطب في جنده بجوار الأهرامات ممتلئاً حماسة و شعوراً بالأناقة.

  • فربعي بن عامر حين دخل بلاد الفرس ، بل حين دخل على مالك الفرس ، لم يكن يشعر بالمنبوذية ، أو بالدونيَّة ، بل كان يشعر بأن هؤلاء الذين بيدهم حطام الدنيا و حكمها، إنما هم مكبَّلون بغرائزهم ، و إن إنسانيتهم قد ضاعت باستبعاد بعضهم لبعض ، لقد دخل عليهم ربعي و هو يحمل حالة نفسية يمكن تسميتها : رسالة إنقاذ للآخرين ، و لقد استنشق ربعي هذه الحالة النفسية من مجتمع الرسول صلى الله عليه و سلم حيث كان الإنسان يُربَّي على أنه صاحب رسالة و أن  من واجبه الصعود ببني آدم إلى مستوى الإنسان المكرّم .

و الشعور بالأناقة قد يكون في صورة انتصار عسكري، أو تكنولوجي، أو عدالة اجتماعية، كما في الثورة البلشفية، أو في صورة حقوق إنسان كما في الثورة الفرنسية ن و أما عند المسلمين ففي صورة القيام بدور حمل رسالة إنقاذ للبشر، و إخراجهم من عبودية بعضهم لبعض، و المتمثلة في قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ ألا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَ لّا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا و لا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ..) آل عمران - 64. و قد تجلىَّ هذا بوضوح في موقف ربعي بن عامر رضي الله عنه و عقبة بن نافع - رحمه الله - و أمثالهما كثير في التاريخ الإسلامي.

كما أنه يمكن العثور بوضوح على نماذج من هذا في الحضارة اليونانية و الرومانية، و الحضارة القديمة إذا ما رجعنا إليها.

كما نجد النماذج لحالات الشعور بالمنبوذية في هذه الحضارات كلِّها. و هنا ينبغي أن نذكر ملحوظة و هي: أن التماثل النفسي في الدوافع و السلوك لا يستدعي تماثلاً في الحكم الأخْرَويِّ، كما في قوله تعالى: (وَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ..) البقرة - 165. فالتماثل الموجود في الآية هو التماثل الذي نعنيه فيما يتعلَّق بالدوافع في الحياة الاجتماعية لأعمال الناس و ليس تماثلاً في الحكم الأخلاقي، أو الأخروي، و قد بحث الأستاذ مالك بن نبي - رجمه الله - هذا الموضوع - في كتاب: « مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي » تحت عنوان: « صِدْقُ الأفكار و فعَّاليتها »، أي صحَّتها أخلاقياً، و إن فشلت في صلاحيتها لحل المشكلات في وقتٍ ما، و ذلك لأمور ترجع إلى البشر و ليس إلى المبدأ، أو أنها صالحة نسبياً لحل المشكلات و لكنها غير صحيحة تماماً.

فمن الخطأ أن نطلب من الأخت أن ترتفع إلى مستوى حالة الشعور بالأناقة (كرامة الإيمان)، و هي لا تزال في مرحلة الشعور بالمنبوذية، و هذا هو التعبير المطلوب من قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) الرعد - 11.

كما يمكن التعبير عن هذا المعنى بعبارة أخرى، كأن نقول: من الخطأ أن نطلب من الأخت أن تُبِرزَ شخصية المرأة المسلمة في لباسها و مواقفها، قبل أن نطلب من زوجها أن يخرج من نطاق التقليد و التبعية للآخرين في لباسهم و مواقفهم، و لبيان ذلك نضرب مثالاً من الهند - منشأ كلمة المنبوذية -: لقد استطاعت أنديرا أن تلتزم بلباسها الشعبي، و بتراث ثقافتها، و تقاليد شعبها، عندما كان أبوها نهرو ملتزماً بالتراث الشعبي و اللباس الوطني، محليَّاً و عالمياً. و استمرت أنديرا بالتزامها هذا عندما كان زوجها - و هو فيروز غاندي* - قد نشأ في بيت يلتزم و يحترم تقاليد أمته، و يظهر في المجتمع المحلي و العالمي بلباسه الوطني.

  • ينتسب فيروز غاندي إلى الباريسيين - أي المجوس - و لم تكن بينه و بين زعيم الهند المهاتما غاندي أية علاقة حيث كان غاندي هندوكياً .

و نحن حين يكون وضعنا، و وضع الأخ المسلم مثل (جون كنيدي) في مظهره في أمريكا، أو في شوارع دمشق، فمن الصعب أن تقتدي الأخت إلا بـ (جاكلين)*.

  • حبذا لو تمكن القارئ من فهم القانون و السنَّة مجردين من الأشخاص، فقد تتماثل الدوافع مع تغير المكان و الزمان  و الأشخاص ، و لا تتغير الحقائق ، و لا يتغير شيء من الحقائق أبداً ، و هذا ما قال عنه : ( تشابهت قلوبهم ) و لا نقصد هنا من ذكر الأسماء سوى الاستعانة لفهم الموضوع بالأمثال . و كما قال الأقدمون حين كانوا موضوعيين : (مناقشة الأمثال ليس من دأب الرجال) ، و إن الأشخاص المذكورين هنا هم الذين كانوا في بؤرة المسرح حين كتب هذا الموضوع

و حين أقول هذا، فأنا أبعد الناس من أن أحُطَّ من قدر أخٍ معين، أو أخت معينة، و إنما أصفُ مجتمعاً يعجز أن يمدّ الفرد الذي ينشأ فيه بالشروط الضرورية للتوازن الصحيح في المجتمع البشري الذي لا يشعر بأنه يساهم في بنائه بشيء مهما كان يسيراً..

و هذا المجتمع ليس ممثِّلهُ فلان و فلانة فقط، و إنما أُمثِّلهُ أنا، و تمثلهُ أنت، و حين يختلط الأمر علينا فلا نعرف جوانب النقص فينا، يحول ذلك بيننا و بين ن نتَّخذ الموقف الصحيح في كثير من أمور حياتنا، و إن إمكان إصلاح نقائصنا ليس بإنكارها، و لا بإخفائها، و إنما بمواجهتها بصراحة، لأن الكتمان ليس بدء الشفاء، و في هذا الموضوع بالذات، و عند هذه النقطة أيضاً، أريد أن لا يُفهم الموضوع على أنه نقد لاذع مُوَجَّهٌ إلى شخص معين، فليس هذا موضوعي البتة، و إن كان سبباً في أن أتناول الموضوع على سعته و عمقه، و هذا الذي أريد أن أنَبَّهَ إليه كي يؤتي البحث أُكُلَهُ و فائدته، لا أن يُصرف إلى حادثة جزئية.

و شيء آخر أشعر أنه ينبغي عليَّ التنبيه إليه أيضاً، و هو ضرب المثل بـ (غاندي) أو (نهرو) أو (أنديرا)، فالمسلم يشعر بوخزٍ في نفسه حين يسمع بهذه الأسماء، أو بنوع من الاستكبار، أو الترفُّع، أو الكبرياء المنحطة، و لا سيما حين يسمع ذلك في صدد البحث في المشكلة الإسلامية، فكيف اختار المَثَلَ - لموضوعي - من نماذج المجوس، و ليس من نوع آخر؟!!

الواقع ؛ إن الموضوع إن لم يُشرح بشيء واقعي يصدم نفس المسلم، و يهزّه، لا يكون مجدياً في إيقاظه و شفائه، بل لا يساعده على تقريب الموضوع.

فإذا كان المجال الإسلامي الذي نعيشه في حالة منبوذية، فالأولى أن نُذَكِّر المسلم بما يشعره بذلك، و ساعده على أن يخجل من نفسه، لا أن يستمر في غروره، فينبغي أن يعلم المسلم المستوى المتوازن الذي وصل إليه في هذا العصر، حتى المنبوذين من المجوس، بينما نحن نضطر إلى أن نذكر أسماءهم و مثالهم للمسلم ليتمكن أن يحصل (هو) على التوازن، أو الشعور بالذات الذي فقده، فالمسلم فقد ذاته، و نسي نفسه، و جعل العالم الذي يعيش فيه، فهو تائه حائر.

و هنا نستوضح الدَّرْكَ الذي انحدر إليه المسلم، فالذين يريدون أن يرفعوا من نفس المسلم المتهاوية، ينبغي أن يعرفوا أنها في القاع و القعر، و لا أعني أبداً استحالة انتشاله، بل أعني أن انتشاله لا يكون بشعوذات غبية، و لا بفرنجاتٍ عفوية، و إنما يكون بمعرفة سنة الله، فمعرفة السنة هي المعجزة، و بتطبيق القانون و السنة سنحصل على أكبر ما يمكن تصوّره عند منتظري المعجزات، أو ما تأتي به الظروف و الحظوظ التي يحلم بها أصحاب أحلام اليقظة الذين: (وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَ هُمْ رُقُودٌ..) الكهف - 18.

http://jawdatsaid.net/index.php?title

 

قراءة 1806 مرات آخر تعديل على الإثنين, 13 تموز/يوليو 2015 15:49

أضف تعليق


كود امني
تحديث